و توضيحه أَن الشخص إذا أَراد أَن يأمر ولده بإكرام جاره المسلم فلا يكتفي عادة بقوله: «أَكرم الجار» بل يقول: «أَكرم الجار المسلم، و أَما إذا كان يريد من ولده أَن يكرم جاره مهما كان دينه فيقول: «أَكرم الجار» و يطلق كلمة الجار- أَي لا يقيدها بوصف خاص- و يفهم من قوله عندئذ أَن الأمر لا يختص بالجار المسلم بل يشمل الجار الكافر أَيضا، و هذا الشمول نفهمه نتيجة لذكر كلمة الجار مجردة عن القيد، و يسمى هذا ب (الإطلاق) و يسمى اللفظ في هذه الحالة «مطلقا».
و على هذا الأساس يعتبر تجرد الكلمة من القيد اللفظي في الكلام دليلا على شمول الحكم، و مثال ذلك من النص الشرعي قوله تعالى:
(أَحَل اللَّه البيع)، فقد جاءت كلمة البيع هنا مجردة عن أَي قيد في الكلام، فيدل هذا الإطلاق على شمول الحكم بالحلية لجميع أَنواع البيع.
و أَما كيف أَصبح ذكر الكلمة بدون قيد في الكلام دليلا على الشمول و ما هو مصدر هذه الدلالة فهذا ما لا يمكن تفصيل الكلام فيه على مستوى هذه الحلقة.
و لكن نقول على نحو الإيجاز ان ظاهر حال المتكلم حينما يكون له مرام في نفسه يدفعه إلى الكلام ان يكون في مقام بيان تمام ذلك المرام فإذا قال أكرم الجار و كان مرامه الجار المسلم خاصة لم يكتف بما قال بل يردفه عادة بما يدل على قيد الإِسلام و في كل حالة لا يأتي بما يدل على القيد نعرف ان هذا القيد غير داخل في مرامه إذ لو كان داخلا في مرامه و مع هذا سكت عنه لكان ذلك على خلاف ظاهر حاله القاضي بأنه في مقام بيان تمام المراد بالكلام، فبهذا الاستدلال نستكشف الإطلاق من السكوت و عدم ذكر القيد و يعبر عن ذلك بقرينة الحكمة.