و لما كان علم الأصول هو العلم بالعناصر المشتركة في عملية الاستنباط فهو يزود كلا النوعين بعناصره المشتركة، و على هذا الأساس ننوع البحوث الأصولية إلى نوعين نتكلم في النوع الأول عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أَدلة محرزة للحكم، و نتكلم في النوع الثاني عن العناصر المشتركة في عملية الاستنباط التي تتمثل في أصول عملية.
العنصر المشترك بين النوعين:
و يوجد بين العناصر المشتركة في عملية الاستنباط عنصر مشترك يدخل في جميع عمليات استنباط الحكم الشرعي بكلا نوعيها: ما كان منها قائما على أَساس الدليل و ما كان قائما على أَساس الأصل العملي.
و هذا العنصر هو حجية القطع و نريد بالقطع انكشاف قضية من القضايا بدرجة لا يشوبها شك. و معنى حجية القطع يتلخص في أَمرين:
أَحدهما: ان العبد إذا تورط في مخالفة المولى نتيجة لعمله بقطعه و اعتقاده، فليس للمولى معاقبته، و للعبد ان يعتذر عن مخالفته للمولى بأنه عمل على وفق قطعه، كما إذا قطع العبد خطأ بان الشراب الّذي أَمامه ليس خمرا فشربه اعتمادا على قطعه و كان الشراب خمرا في الواقع، فليس للمولى أَن يعاقبه على شربه للخمر ما دام قد استند إلى قطعه، و هذا أَحد الجانبين من حجية العلم و يسمى بجانب المعذرية.
و الآخر: أَن العبد إذا تورط في مخالفة المولى نتيجة لتركه العمل بقطعه فللمولى ان يعاقبه و يحتج عليه بقطعه، كما إذا قطع العبد بان الشراب الّذي أَمامه خمر فشربه و كان خمرا في الواقع، فإن من حق المولى ان يعاقبه على مخالفته، لأن العبد كان على علم بحرمة الخمر و شربه فلا يعذر في ذلك، و هذا هو الجانب الثاني من حجية القطع و يسمى بجانب المنجزية.