و هذا ما لم يدّعه الرضي نفسه، بل يكفي في ذلك الاستفاضة، شأن كلّ المرويات عن النبيّ 6 و الصحابة و غيرهم، فلا سبيل إلى ادّعاء التواتر في جميعها، بل يتبع ذلك المصادر التي اعتمد عليها، و نحن و إن كنّا لا نعلم من مصادر الرضي سوى القليل منها- و سيأتي ذكر و شرح ذلك-و لكن تكفينا حجة الرضي روايا ففيها.
و على النقيض من ذلك ما ذهب إليه المقبلي (ت/1108 هـ-) [1] بقوله: «نهج البلاغة، الذي صار عند الشيعة عديل كتاب اللّه بمجرّد الهوى الذي أصاب كلّ عرق منهم و مفصل، وليتهم سلكوا مسلك جلاميد الناس، و أوصلوا ذلك إلى علي برواية يسوغ عند الناس، و جادلوا عن رواتها، و لكن لم يبلغوا بها مصنّفها، حتى لقد سألت في الزيدية إمامهم الأعظم و غيره فلم يبلغوا بها الرضي الرافضي، و لو بلغوه لم ينفعهم، فإنّ مذهب الإمامية تكفير من لم يكن على مذهبهم كفرا صريحا لا تأويلا» [2] .
قال الجلالي: بل هذه الدعوى ليس لها دليل سوى الهوى و التضليل، و هي تكشف عن جهل بالتاريخ و الروايات و الأسانيد، و ذلك:
أولاً: إنّ قوله بأنّ نهج البلاغة صار عند الشيعة عديل كتاب اللّه، كذب صراح، فليس في الإمامية و لا غيرهم من يذهب إلى ذلك. نعوذ باللّه، كيف؟و القرآن وحي اللّه المنزل على قلب النبي المرسل، و ما هذا شأنه لا يقاس به كلام البشر.
ثانيا: إنّ انكار رواية موصولة إلى الإمام علي 7 جهل بالروايات عامة و بروايات أهل البيت : خاصة-كما ستعرف-و لا أدري ماذا يعني بـ «الناس» ؟أ ليس أصحاب المصادر الأوّليّة للفكر العربي الإسلامي من الناس؟ ثالثا: إتّهم الشيعة بأنّهم «لم يبلغوا بها مصنّفها» ، و هذا جهل بأسانيد مذهب أهل البيت :، و ستعرف في القسم الأول من هذه الدراسة إنّ لهم أسانيد متّصلة متعدّدة من
[1] هو صالح بن مهدي المقبلي (1047-1108 هـ-) من قرية المقبل من أعمال كوكبان-اليمن، خالف الزيود في معتقدهم و حكمهم، و كتب «العلم الشامخ في تفضيل الحق على الآباء و المشايخ» المطبوع سنة 1328 هـ-، و نظر إلى الحياة بعين الحقد، و إلى آثارهم بعين الغضب كردّ فعل لسياستهم، كما يظهر من كتابه، و لأجل ذلك ارتحل إلى مكة و مات بها سنة 1108 هـ-، عن 61 عاما.