الجاهلية، بل لا نكاد نعرفه في الأدب الإسلامي إلاّ بعد ظهور كتاب «كليلة و دمنة» المعرّب. و إذا علمنا أنّ إدخال الأعداد في الحكمة الاخلاقية، و في ترتيب المجرّدات و المعقولات، له الدور المهم في المذاهب المتشعبّة عن الطريقة الفيثاغورية أو الافلاطونية الحديثة، و إذا علمنا ان العرب لم يعرفوا هذه الفلسفة إلاّ بترجمة كتب اليونان في العصر العباسي الأول، و إذا علمنا أنّ الشريف الرضي كان من الحكماء الأجلاء، و العلماء المعروفين، و انه عاش في العصر العباسي الثالث، ساغ لنا هذا الشك» [1] .
و هذه الشبهة تقوم على خلط أمرين:
الأول: اختصاص طريقة الاعداد بشعب من الشعوب دون آخر.
الثاني: كليّة طريقة الاعداد في بعض الشعوب دون بعض، فدعوى الاختصاص يستلزم حصر التفكير في طائفة من البشر و سلبها عن غيرهم، و لا نظن أحدا يقول بذلك.
و أمّا غلبة اتباع طريقة خاصة و اسلوب خاص في التفكير و العبادات فأمر واقع.
و طريقة الاعداد المستعملة في نهج البلاغة ليست غالبة، بل هي في موارد لا تتعدى رؤوس الأصابع.
و قد حصلت بالفعل هذه الطريقة في الحضارات الاخرى كالهند و الفرس، و كليلة و دمنة خير شاهد لذلك، و كذلك في الاحاديث النبويّة، بل لكل مفكّر يريد أن يسرد الأسباب و النتائج ان ينظّمها في تفكيره مترتبة بالاعداد و إن لم يذكرها بالأرقام، فإنّ التفكير في إطار الأرقام ليس حصرا على امة خاصة، بل يعم كلّ المفكرين من البشر.
و قد جاء الاهتمام بالعدد في القرآن الكريم في قصة ميعاد موسى بثلاثين ليلة و اتمامها «بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقََاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً» .
كما جاءت المواعظ النبوية معتمدة على التقسيم العددي من الآحاد و العشرات، و خاصة الأربعين حديثا [2] .