responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة المؤلف : رفيع الدين محمد الجيلاني    الجزء : 1  صفحة : 458

قلت: من نتائج الكلام في البداء والبحث عنه اليقين بأنّ للَّه‌تعالى أن يحوّل إن شاء حالَ مَن انتهك محارم الشرع وسلك سبيلَ الأشقياء، حتّى يُقال: ما أشبهه بهم بل هو منهم، ويوفّقه للرجوع والإنابة، وأن يكل إن شاء من عبده مدّة سماويّة بصنوف العبادات، حتّى يقال: ما أشبهه بالسعداء بل هو منهم إلى نفسه، ومنعه اللطف والعصمة حتّى يموت وهو عليه ساخط، فلا ييأس العاصون من رَوْح اللَّه بسبب الوقوع في الزلّات، ولا يأمن المتعبِّدون من مكر اللَّه اغتراراً بكثرة الحسنات، بل يكون كلّ أحد بين الخوف والرجاء. وقد ورد أنّه «ما من مؤمن إلّاوفي قلبه نوران: نور خيفة، ونور رجاء، لو وُزِنَ هذا لم يَزِدْ على هذا». [1]

ومن النتائج أنّه إذا أخبرني من طريق الوحي أنّ فلاناً قرب أجله ولا يعمّر إلّاسنةً- مثلًا- واتّفق منه أن يتصدّق بصدقة على‌ مسكين أو يصلَ رحماً، فجاوز عمره المدّةَ، لم يكذَّب المخبر ولم ينكر عليه، بل يستعلم وجه البداء مؤمناً به، ويزداد في الرغبة إلى الخيرات والتضرّع والدُّعاء؛ ففي البداء وإيقاننا به والإقرار به للَّه‌تعالى كمالُ الحكمة والمصلحة، وأخذ الميثاق على النبيّين بإقرار البداء للَّه‌تعالى؛ لأنّهم الذين يخبرون أوّلًا بكون ما ليس بكائن من غير الإعلام بحقيقة الأمر وبوجه المصلحة إلّا بعد وقوع البداء، وإخبار غيرهم إنّما هو بوساطتهم، وإخبار موارد وقوع البداء كاشفة عمّا قلناه.

فإذن النبيّون أوّل من في عرضة الإعراض والتعجّب، فلذلك أخذ عليهم الميثاق بأن يقرّوا له تعالى بالبداء، وجمعٌ من أهل العمْى والجهل حُرموا إدراكَ هذه المعاني، فتاهوا في بوادِ الضلال حيارى عمهين سكارى، حادوا عن مدرجة الأكياس، وارتقوا في مرعى الأرجاس، حسدوا امناء الوحي وخزّان العلم؛ لِمَ يحسدون الناس على ما آتاهم اللَّه من فضله، يا ويلهم ما أشقاهم، وأطولَ عناهم، حملهم العنود على إنكار البداء على سبيل الجمود، وضاهوا في ذلك كفرة اليهود.


[1]. الكافي، ج 2، ص 67 و 71، باب الخوف والرجاء، ح 1 و 13؛ وسائل الشيعة، ج 15، ص 217- 218، ح 20311 و 20314.

اسم الکتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة المؤلف : رفيع الدين محمد الجيلاني    الجزء : 1  صفحة : 458
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست