الخصم إمّا عجزاً أو كفّاً عن المِراء، عرض للرجل شكّ في أنّه لعلّ ما فعل كان صواباً ولأجل ذلك سكت الخصم، ومن الارتياب أنّ الرجل منَّ اللَّه عليه بوساطة حججه : في الكتاب والسنّة، وهو يتعمّق فيما لم يكلّف البحث عن كنهه، فيقع في الشكوك والشبهات التي لا يستطيع أن يخرج منها.
وإلى ذلك أشار أمير المؤمنين 7 في خطبة الأشباح حيث قال: «فانظُرْ أيُّها السائلُ فما دَلَّكَ عليه القرآنُ من صفته فَأْتَمَّ به، واستَضِئْ بنور هدايته، وما كَلَّفَكَ الشيطانُ عِلْمَه ممّا ليس في الكتاب عليك فَرْضُه، ولا في سنّة النبيّ 6 وأئمّة الهدى أثَرُهُ، فكِلْ عِلْمَه إلى اللَّه سبحانه؛ فإنّ ذلك منتهى حقِّ اللَّه عليك. واعلَمْ أنّ الراسخينَ في العلم هم الذين أغناهم عن اقتحام السُّدَدِ المضروبةِ دونَ الغيوبِ الإقرارُ بجملة ما جهلوا تفسيرَه من الغيب المحجوب، فمَدَحَ اللَّهُ تعالى اعترافَهم بالعجزِ عن تناولِ ما لم يُحيطوا به عِلْماً، وسَمّى تَرْكَهم التعمّقَ فيما لم يكلّف [1] البحثَ عن كنهه رسوخاً، فَاقْتَصِرْ على ذلك، ولا تُقَدِّرْ عظمةَ اللَّه على قَدْرِ عقلك فتكونَ من الهالكين». [2]
قوله: (إيّاكُمْ والتَّفَكُّرَ). [ح 7/ 257]
في أنّه سيجيء في كتاب الإيمان والكفر، في باب التفكّر عن أبي عبداللَّه 7: «أفضل العبادة إدمان التفكّر في اللَّه وفي قدرته». [3] وطريق التوفيق واضح.
قوله: (والكيفُ مخلوقٌ، واللَّهُ لا يوصَفُ بخَلْقِه). [ح 9/ 259]
وجهه ظاهر؛ لأنّ المخلوق طبيعة مفتقرة الذات، فلا يتّصف بها الغنيّ بالذات، وعلى هذا الأصل الأصيل بُنيت التقديسات في الخطب الجليلة الواردة عنهم : في التوحيد، كقولهم: «بتَجْهيرِه الجواهرَ عرفت أن لا جوهرَ له» [4] وأمثال ذلك.