responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة المؤلف : رفيع الدين محمد الجيلاني    الجزء : 1  صفحة : 179

وكذلك الليل لو امتدّ مقدار هذه المدّة، كان يعوق أصناف الحيوان عن الحركة والتصرّف في طلب المعاش حتّى‌ يموت جوعاً، وتخمد الحرارة الطبيعيّة من النبات حتّى‌ يعفن ويفسد، كالذي تراه يحدث على النبات إذا كان في موضع لا تطلع عليه الشمس.

اعتبر بهذا الحرّ والبرد كيف يتعاوران ويتصرّفان هذا التصرّفَ في الزيادة والنقصان والاعتدال لإقامة هذه الأزمنة من السنة وما فيه‌ [1] من المصالح، ثمّ هما بعدُ دباغ الأبدان التي عليهما بقاؤها وفيهما صلاحها؛ فإنّه لولا الحرّ والبرد وتداولهما الأبدان لفسدت وخوت‌ [2] وانتكثت.

فكِّر في دخول أحدهما على الآخر بهذا التدريج والترسّل؛ فإنّك ترى أحدهما ينقص شيئاً بعد شي‌ء، والآخَرَ يزيد مثل ذلك، حتّى‌ ينتهي كلّ واحد منهما منتهاه في الزيادة والنقصان، ولو كان دخول إحداهما على الاخرى مفاجأةً لأضرّ ذلك بالأبدان وأسقمها؛ كما أنّ أحدكم لو خرج من حمّام حارّ على موضع البرودة لضرّه ذلك وأسقم بدنه.

فلِمَ جعل اللَّه عزّوجلّ هذا الترسّل في الحرّ والبرد إلّاللسلامة من ضرر المفاجأة [ولم جرى الأمر على ما فيه السلامة من ضرر المفاجأة] لولا التدبير في ذلك، فإن زعم زاعم أنّ هذا الترسّل في دخول الحرّ والبرد إنّما يكون لإبطاء مسير الشمس في الارتفاع والانحطاط، سُئل عن العلّة في إبطاء مسير الشمس في ارتفاعها وانحطاطها، فإن اعتلّ في الإبطاء ببُعد ما بين المشرقين، سُئل عن العلّة في ذلك، فلا تزال هذه المسألة ترقى معه إلى حيث رقى من هذا القول حتّى استقرّ على العمد والتدبير، لولا الحرّ لما كانت الثمار الجاسية المُرّة تنضج فتلين وتعذب، حتّى‌ يتفكّه بها رطبة ويابسة، ولولا البرد لما كان الزرع يفرخ [هكذا] ويريع الريعَ الكثير الذي يتّسع للقوت‌


[1]. في المصدر: «فيهما».

[2]. خَوَت، أي انهدمت. لسان العرب، ج 14، ص 245 (خوا).

اسم الکتاب : الذريعة إلى حافظ الشريعة المؤلف : رفيع الدين محمد الجيلاني    الجزء : 1  صفحة : 179
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست