وسبقة الحسنى منه لكم نبّهكم فيها على أدلّة ربوبيّته وإلهيّته. فإذن معرفة جهات دلالتها غايةُ المرام، فكان المقام جديراً ببسط الكلام، وعدم المبالاة بعدم موافقته لبعض الأفهام؛ إذ الغرض في هذا الجمع أن أدّخر لنفسي في أيّام قوّة القوى ما يكون تذكرةً لي في أيّام الضعف والوَنْى، والغير منظور بالنظر الثاني على أنّه نقل في التفاسير عن النبيّ 6 أنّه قال: «ويلٌ لمن قرأ هذه الآية فمجّ بها» [1] أي لم يتفكّر فيها ولم يتدبّرها، والمجّ في الأصل قذف الماء من الفم.
وبعد تقديم الاعتذار نقول:
تبيين المرام من الآيتين الشريفتين في عدّة فصول
فصل:
ذكر البيضاوي في بيان مأخذ الجلالة:
أله آلهة والوهة والوهيّة بمعنى عبد. وأله: إذا تحيّر. وألهت إلى فلان: إذا سكنت إليه.
وأله: إذا فزع من أمرٍ نزل. وألهه غيره: أجاره. وأله الفصيل: إذا ولع بامّه. ووله: إذا تحيّر.
قال:
وقيل: أصله لاهٌ مصدر لاه يليه لَيْهاً ولاهاً: إذا احتجب، وارتفع. [2]
وفي الصحاح:
أله- بالفتح- إلهةً، أي عبد عبادة، ومنه قرأ ابن عبّاس: «ويذرك وإلهتك» بكسر الهمزة.
وتقول: أله يأله، أي تحيّر، وأصله وَلَه. وقد ألهت على فلان: إذا اشتدّ جزعي عليه. [3]
أقول: الجلالة وإن احتمل أن يكون أصله أحد المعاني المذكورة إلّاأنّ المستفاد من تضاعيف الأخبار أنّه من «أله» بمعنى عَبَدَ، أي خضع وتذلّل، ويستلزم الخضوعُ والتذلّل الإطاعةَ والانقياد. وفي التنزيل: «لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ»[4] و «أَ رَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ
[1]. تفسيرالثعلبي، ج 2، ص 33؛ تفسير القرطبي، ج 2، ص 201؛ أنوارالتنزيل للبيضاوي، ج 1، ص 437.