بناء على هذا يمكن أن يكون مفاد الآية الكريمة هو أنه بعد المشاورة، و اتخاذ القرار المبني على تلك المشاورة يجب أن يكون تنفيذه بيد شخص واحد دون ريب، و ذلك الشخص هو القائد لتتقدم الأمور في ظل وحدة القيادة، و تمركز القوى، مع التوكل على اللّه، و لكن لا يحق لهم القيادة، بل هي مختصة بالرئيس الزعيم القائد، و يجب أن يكون الأمر كذلك أيضا، و إلّا لا نفرط عقد النظام، و وجبت مراعاة سلسلة المراتب القيادية في الجيش و غيره كاملا، و يجب أن لا يتخذ من الشورى ذريعة للإخلال في النظام و إيجاد الهرج و المرج.
بناء على هذا تكون الشورى الإسلامية مشروعة في حدود تطبيق الأحكام الكلية و القواعد العامة على الموارد الجزئية التي يتخذ صفة القانون الأساسي
- لك ما ادعيت مع ظاهر القرآن و ما فعله النبي 6؟ فقال الشيخ المفيد: إن رسول اللّه 6 لم يشاور أصحابه لفقر منه إلى آرائهم، و لحاجة دعته إلى مشورتهم من حيث ظننت و توهمت، بل لأمر آخر أنا أذكره لك بعد الايضاح عما أخبرتك به كيف و كان 6 أكمل الخلق باتفاق أهل الملة و أحسنهم رأيا، و أوفرهم عقلا، و أكملهم تدبيرا و كانت المواد بينه و بين اللّه سبحانه و متصلة و الملائكة تتواتر عليه بالتوفيق من اللّه عزّ و جل و التهذيب و الإنباء له عن المصالح، و إذا كان بهذه الصفات لم يصح أن يدعو داع إلى اقتباس الرأي من رعيته؛ لأن الكامل لا يفتقر إلى الناقص كما لا يفتقر العالم إلى الجاهل.
ثم فسر الشيخ المفيد الآية في هذا المجال فقال: ألا ترى إلى قوله تعالى: وَ شٰاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذٰا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّٰهِ فعلّق وقوع الفعل بعزمه دون رأيهم و مشورتهم و لو كان إنما أمره بمشورتهم للاستقفاء برأيهم لقال له: فإذا شاروا عليك فاعمل، و إذا اجتمع رأيهم على شيء فامضه، فلما جاء الذكر بما تلوناه سقط ما توهمته.
فأما وجه دعائه إلى المشورة معهم فإن اللّه أمره أن يتألفهم بمشورتهم و يعلّمهم بما يصنعونه عند عزماتهم ليتأدّبوا بآداب اللّه عزّ و جل فاستشارهم لذلك لا للحاجة إلى آرائهم.