و منذ ذلك الوقت تقدمت البشرية في التكامل، حتى تغيرت القوانين تغيّرا كليا على أساس التصورات الفلسفية و العلمية و الاجتماعية الجديدة حتّى إن صورة هذه القوانين تغيرت تغيّرا تامّا، و راجت بين الدول قوانين مشتركة على أساس الحرية و العدالة، و المساواة، و التعاطف.
و انتشر في النصف الأول من القرن الثامن عشر سنة 1748 ميلادية في فرنسا مثل كتاب «روح القوانين» الذي كان مؤلفه (مونتسكيو) من نوابغ عصره، و قد استطاع خلال عشرين عاما تحمل الجهد و المطالعة في تقاليد الشعوب و أعرافها، و أخلاقها، و أديانها- أن يؤلف كتابا حول تشكيل الحكومات على أسس الحرية و العدالة.
و قد أصبحت أفكار (مونتسكيو) في روح القوانين، و (روسو) في كتابه «كنتراسوسيال» قاعدة و أساسا لآراء و فلسفة الأحرار و الفلاسفة اللاحقين و منطلقا لمواقفهم و اتجاهاتهم.
إن الأفكار التي جاءت في كتاب روح القوانين حول حق تدخّل الشعب في الحكومة، و قضية الحرية و الجمهورية، و في الرد على الاستبداد و الظلم كان لها تأثير كبير جدا في طلائع الثورة، و يمكن القول بأن هذا الكتاب قد أصبح بالتدريج مصدرا للأحرار، و أن إحدى شرارات الثورة التي اندلعت في فرنسا عام 1789 م قد حدثت بواسطة كتاب روح القوانين، و قد أصبحت الأفكار التي وقعت مدارا للبحث و الدراسة قبل الثورة الفرنسية و بعدها تستشهد بما جاء في كتاب روح القوانين، فقد دون ميثاق حقوق الإنسان على أساس نفس هذه التطورات و هذه اليقظة في فرنسا عام 1789 م و أخذت صيغتها النهائية و العالمية في هيئة الأمم المتحدة عام 1948 م.