تغيرت وسائل الانتاج بمقتضى الشرائط و الظروف الاقتصادية الجديدة تغيرت كذلك القوانين و المقررات الاجتماعية فإن أصل وجود القوانين و مسألة تغيرها تتبع و تنشأ من الظروف الاقتصادية و الاجتماعية السائدة.
و هذه النظرية تبتني على المادية التاريخية التي يمرّرونها على المجتمع علاوة على تمريرها على عالم الطبيعة، و الماركسيون هم الذين يذهبون هذا المذهب، فهم ينظرون من خلال هذا المنظار المادي إلى الطبيعة، و كذا إلى التاريخ و يقولون بمبدإ الجبر المادي و التاريخي على العالم برمته (أي طبيعة و بشرا).
و لكن الأغلب يرفضون علميّة هذه النظرية و يقولون: إن نشأة و ظهور القوانين الوضعية و تغيرها نابع من أفكار العلماء، و إن كان للظروف البيئية، و الأخلاقية و التقاليد و العرق و غير ذلك أثر كبير في ذلك.
و لكن على كل حال فإن مفكّري العالم هم الذين رسموا مسيرة التاريخ و يغيرونها لا أنهم محكومون بها، أي أن مسيرة التاريخ هي التي تخضع لهم، لا أنهم يخضعون لها.
و لسنا هنا بصدد دراسة و تقييم هاتين النظريتين، بل غايتنا هي المقارنة الكلية بين القوانين الوضعية البشرية و الشرائع و القوانين الإلهية السماوية من جهة الأصالة و عدم الأصالة.
إن القوانين الوضعية سواء أ كانت نابعة من الحتمية التاريخية أو نابعة من فكر العلماء، فإنها تابعة في سيرها التكاملي لحركة التاريخ و مسيرته أو لتكامل الفكر الانساني و تطوره، فهي كالطفل الذي يتبع أمه، فربما أسرع في مشيه، و ربما تباطأ، و مشى رويدا رويدا.
فكلما تقدمت القافلة البشرية باتجاه المدنية و التعالي تبعتها القوانين، و كان لها نفس الحال؛ لأنه ليس لهذه القوانين من منشأ و مصدر سوى التكامل التاريخي،