و على هذا الأساس فإن «البر» و «الإحسان» و «المساعدة» و «المعروف» جميعها أمور حسنة، لكنّ كون هذا العمل أو ذاك برّا أو غيره يعرف بالمعايير العقلية أو الشرعيّة.
و للمثال نقول: ربما نفكر أن التجارة الرابحة بأموال الآخرين أمر حسن- و لو كانت- بلا إذن منهم؛ لأنها ليست سوى إيصال النفع إلى الآخرين، فلما ذا لا تجوز؟
و لكن هذا التصور غير صحيح؛ لأن التصرف في أموال الآخرين دون إذنهم و رضاهم- و إن كان في تجارة رابحة- نوع من التصرف الظالم في سلطة المالك، و مناف لاختياراته في أمواله الخاصّة، و قد قال رسول اللّه 6: «إن الناس مسلطون على أموالهم» [1].
و بعبارة أخرى: أن تقديم البر و الإحسان و المساعدة إلى الآخرين لا ينافي أبدا اشتراطها بالإمام أو نائبه [2]، و على هذا الأساس لا تستطيع هذه العمومات (أي عمومات أدلة الحسبة) أن تنفي اشتراطها بوجود الفقيه.
و للمزيد من التوضيح نمثل بالمثال التالي:
لا شك أن الفصل في الخصومات و إنهاء المنازعات (القضاء) بين الناس من الأعمال الاجتماعية الحسنة بل الضرورية، و هكذا إجراء الحدود منعا من الفساد و ابتغاء الأمن في المجتمع، و لكن لا يسمح بإتيان واحد من هذين الأمرين
[1] بحار الأنوار 2: 272 الطبعة الجديدة نقلا عن غوالي اللآلي و الحديث نبوي و لكن أصل سلطة المالك على أمواله من الأصول العقلائية الضرورية.
[2] كما يرتبط- أحيانا- بإذن الفرد شخصا مثل التجارة الرابحة بأموال الآخرين التي هي مشروطة برضا أصحابها و مثل التجارة بأموال الصغير المشروطة بإجازة وليّه (الأب أو الجد).