و على هذا فإن الحديث المبحوث عنه «الفقهاء أمناء الرسل» يعطي هذا المطلب فقط و هو أن رسل اللّه إذا سلّموا الأمانة إلى الفقهاء يجب عليهم الحفاظ عليها، يعني أنهم أعطوا ولاية الحفظ لا ولاية التصرف، و الذي يناسب مثل هذا المعنى هو أمانة الأحكام الإلهية و الدينية التي يكون الفقهاء بتفقههم فيها و تحصيل الأحكام امناء عليها، يعني أن أحكام اللّه قد أودعت عندهم على نحو الأمانة ليوصلوها إلى الناس من دون زيادة و نقصان، أو دخل و تصرف، تماما كما لا يحق للأمين المستودع على شيء التصرف في الوديعة و مال الأمانة، بل عليه أن يحافظ عليه حتى يسلّمه إلى صاحبه سالما دون عيب.
و على هذا الأساس لا يدل كون «الفقهاء امناء» على ثبوت مقام «ولاية التصرف» أبدا، بل السؤال و الجواب المطروح في ذيل الحديث المطروح على بساط البحث هنا يؤيّد الولاية على خصوص الأحكام، لأن النبي الأكرم 6 قال في جواب السائل: «إذا رأيتم اتّباع العلماء للسلطان فاحذروهم على دينكم» [1] و الدين هو الأحكام، و لا ارتباط لهذا الذيل بمسألة الولاية على الأموال و النفوس، و إلّا لوجب أن يذكر الحذر على الأموال و النفوس أيضا.
و لهذا السبب استعمل مثل هذه اللفظة و التعبير (الأمناء) في حديث «تحف العقول» الذي سيبحث عنه فيما بعد، بالإضافة إلى تحديد الأمانة و تفسيرها و توضيحها بالحلال و الحرام حيث جاء وصف العلماء هكذا: «الأمناء على حلاله و حرامه» 2.