و أما القول بسكوت النبي عن الخلافة فهو بمعنى أنه لم يجد في الصحابة من يصلح لها، أو من يسانخه و يشاكله، و إلّا لنص عليه ليقوم مقامه، و لذلك لم يقدم شيئا و لم يؤخر.
و على هذا فلم يحق للمسلمين أن يفرضوا عليه خليفة لم يأذنهم به، و إن اختاروه فهو خليفتهم و حاكمهم، و إلّا لاختاره خليفة لنفسه، و قد أعرض عن ذلك لما عللوا، و لما عللنا.
و الحق: أن النبي لم يسكت عن الخلافة، بل أسكت عنها بوسائل شتى:
1- تأويل أقواله و محاولاته و تعييناته طيلة حياته.
2- منعه عن ذلك في آخر لحظة من حياته تحجيرا عليه، فأسكت عليها:
بالمنع و الانكار، و التأوّل.
و اسطورة الرشد المدعى في الصحابة و المسلمين، ظهر خلافها من خلال اختلاف الأمة، و خوضها في كثير من المهاترات، و الملاحم و الفتن، التي سالت فيها الدماء.
و قد روّج النبي 6 لإمامة أهل بيته- عليّ و بنيه- و هم يؤدون عنه، و ينهلون من نبوته و وحيه و رسالته، و ذلك لحرصه على تماسك الأمة و التفافها حول سيرته و سنته و سياسته.
و قال علي 7 في معنى الخلافة لأبي بكر و عمر حين أخذ للبيعة: «... نحن أحق منكم ما كان فينا القارئ لكتاب اللّه، و العارف بسنن رسول اللّه، المضطلع بأمر الرعية، المدافع عنها الأمور السيئة، القاسم بينهم بالسوية. و اللّه إنه لفينا، فلا تتبعا الهوى فتزدادا من الحق بعدا» [1].
[1] دائرة معارف القرن العشرين (للأستاذ فريد وجدي) 3: 759، مادة (خلف).