و بعبارة أكثر وضوحا نقول: إن الخطابات القرآنية الحاثة على اجراء الحدود [1] و إن كانت عامة و مطلقة، يعنى تشمل كل أفراد الأمة و كأنها تأمر الجميع بأن يقوموا بهذه الوظيفة، إذ تقول: «فاجلدوا» مرتكب الزنا «اقطعوا» يد السارق و السارقة و لكن المراد في هذه الآيات- قطعا و يقينا- ليس هو العموم الاستغراقي الذي يستلزم الهرج و المرج و الفوضى.
بل المراد هو العام المجموعي، يعني أنه ليس جميع الأفراد مكلفين بهذا الأمر فردا فردا- كالصلاة- بل مجموع المسلمين كمجموع مكلفون بإقامة الحدود و إجرائها، أي: قيام أولياء الأمور باجراء الحدود و تنفيذها و استعداد الناس لذلك و تمكين الحكومة الإسلامية من ذلك، و مساعدتها في هذه المهمة.
و الدليل على هذا التقييد تقييد اجراء الحدود بالحاكم الاسلامي عبارة عن:
[1] مثل قوله تعالى: الزّٰانِيَةُ وَ الزّٰانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وٰاحِدٍ مِنْهُمٰا مِائَةَ جَلْدَةٍ (سورة النّور: 2)، في حد الزنا، و قوله تعالى: وَ السّٰارِقُ وَ السّٰارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمٰا (سورة المائدة: 38) في حد السارق و أمثالهم.
[2] المراد من الحديث هي الروايات الواردة في (باب أنه لا يجوز لأحد أن يحكم إلّا الإمام أو من يروي حكم الإمام فيحكم به) و (باب أن إقامة الحدود إلى من إليه الحكم) في الوسائل 27: 16، الباب 3 من أبواب صفات القاضي، و 28: 49، الباب 28 من أبواب مقدمات الحدود و قد أوردنا بعضها في هذا الكتاب أيضا.