ثم إن اتّباع الأكثرية الجاهلة يوجب بقاء المجتمع في حالة الجمود و التخلف، و يسلبه إمكانية الرقي و التقدم، و ذلك لأن البرامج الثورية البناءة التي تبدأ دائما من مؤسسة واحدة تخالف تقاليد هذا النوع من الشعوب و عقائدها و أخلاقها.
فكيف يمكن تقديم الشعوب المتخلفة و دفعها إلى الإمام، إذا كان اتباع الأكثرية و الأخذ برأيها و ترجيح كفتها ينتج- في مثل هذه الشعوب- عكس المطلوب؟
هذا مضافا إلى أن ترجيح الأكثرية يجعل بعثة الأنبياء أمرا لغوا؛ لأنهم كانوا يواجهون- قبل كل شيء معارضة الأكثرية و مناوأتها، و القرآن الكريم ينقل إلينا هذه الحقيقة بأفضل صورة- من البيان و الحكاية عن الأمم الماضيّة.
و الحكومة القائمة على هذا اللون من الأكثرية العارية عن المنطق التي تقوم على أساسها الأنظمة الديمقراطية، و ترى أن الحق هو ما تريده أغلبية الناس و أكثريتهم من دون أن يقيم للفطرة و العقل و العلم و الأخلاق وزنا حتّى إن بعض البلاد الديمقراطية تجوّز ممارسة اللواط من هذا المنطلق.
و من الملاحظ ان الاقليات غالبا ما تبقى غير راضية، و تسعى للحصول على مقاليد السلطة بتحصيل اكثرية عددية نتيجة لما تعانيه من القهر و الكبت.
إن هذا النمط من الحكومة التي تسمى بحكومة الشعب على الشعب (الديمقراطية) إن لم تنطلق من الموازين الإسلامية الصحيحة لا يمكن أن تكون إلّا حكومة القهر و القوة، و الباطل و العنف و التضحية بالأقليات في سبيل الأكثريات العددية، و لا يمكن أن يكون هذا النظام و النسق دليلا على حقانيتها، بل هو دليل على قوتها و نفوذ سلطتها، و الحق هو ما يثبت بالدليل، و أما الاعتماد على مجرد ملاك الأكثرية دون سواه، فيبعدنا عن منطق العقل و العلم.