و الحقّ عندنا أنّ وجوب نصب الإمام عامّ في كلّ وقت [1] ، و خالف في ذلك فريقان:
أحدهما: أبو بكر الأصم و أصحابه [2] ، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ وجوبه مخصوص بزمان الخوف و ظهور الفتن، و لا يجب مع الأمن و إنصاف الناس بعضهم من بعض؛ لعدم الحاجة إليه.
الفريق الثاني: الفوطي و أتباعه [3] ، فإنّهم ذهبوا إلى عدم وجوبه مع الفتن، فإنّه ربّما كان نصبه سببا لزيادة الفتن، و استنكافهم عنه، و إنّما يجب عند العدل و الأمن، إذ هو أقرب إلى شعائر الإسلام.
لنا: دلالة الأدلّة الدالّة على وجوبه على عمومه، إذ مع الإنصاف و الأمن يجوز الخطأ، و يحتاج إلى حفظ الشرع و إقامة الحدود، فيجب الإمام.
و مع ظهور الفتن الخطأ واقع، فالمكلّف إلى اللطف يكون أحوج.
[1] الإمامة و التبصرة من الحيرة: 25-32. أوائل المقالات (ضمن سلسلة مؤلّفات الشيخ المفيد) 4: 39. الرسالة الماتعية (مع كتاب المسلك في أصول الدين) : 306.
[2] انظر: المسلك في أصول الدين: 188. مقالات الإسلاميين: 460. كتاب أصول الدين: 271. كتاب المحصّل: 574. الأربعين في أصول الدين 2: 256.
أبو بكر الأصم: هو عبد الرحمن بن كيسان، فقيه معتزلي، مفسّر، كان يخطّئ عليّا 7 في كثير من الأفعال، و يصوّب معاوية في بعض الأفعال. توفّي في سنة 225 هـ. و كان يزعم: أنّ الناس لو كفّوا عن التظالم لاستغنوا عن الإمام. كتاب أصول الدين: 271، الأعلام 3: 323.
[3] انظر: الفرق بين الفرق: 163. كتاب أصول الدين: 271. الملل و النحل 1: 72.
الفوطي: هو هشام بن عمرو من أصحاب أبي الهذيل، كان من أهل البصرة، و سافر إلى بلدان عديدة، و كان من دعاة الاعتزال. توفّي سنة 226 هـ. و كان يزعم أنّ الأمّة إذا اجتمعت كلمتها على الحقّ احتاجت إلى الإمام، و أمّا إذا عصت و فجرت و قتلت الإمام لم يجب حينئذ على أهل الحقّ إقامة إمام. مناهج اليقين في أصول الدين: 289. كتاب أصول الدين: 271-272. الملل و النحل 1: 72-74.