تقدّم من التفصيل في المقام الأوّل بين الأنحاء الخمسة، من حيث جريان البراءة في بعضها و الاشتغال في بعض آخر، ككون القيد عدم المجموع أو الأمر الانتزاعي مثلا على ما مرّ شرحه فلا نعيده، إلّا انّك قد عرفت في المقام الأوّل كون القيد مأخوذا بنحو الإطلاق شرطا كان أو مانعا، فيكون بنحو الاستغراق الأفرادي الموجب لانحلال الحكم بتعداد الإفراد، فتجري البراءة في المقامين مطلقا بلا اشكال كما لا يخفى، و كذا يجري في المقام حديث الرفع حسبما عرفت في المقام الأوّل، و كذلك يجري في المقام الاستصحاب أيضا بناء على كونه قيدا للباس أو المصلّي بالتقريب المتقدّم في المقام الأوّل.
و هذا بخلاف الصورة الثالثة فإنّه بعد احتمال تحقّق المانع في مورد الابتلاء و بعد العلم بتقيّد المطلوب بعدمه تصير الشبهة فيها بمعنى الشكّ في تحقّق المطلوب و عدمه، اي ترجع الشبهة إلى مرحلة سقوط ما علم من التكليف لا إلى ثبوته كي يدخل في مجاري البراءة، فاللازم حينئذ إنّما هو البحث و التثبّت و عدم الاكتفاء بمجرد الاحتمال، كما هو الشأن فيما ترجع فيه الشبهة إلى مرحلة الخروج عن عهدة التكليف كما لا يخفى [1].
هذا كلّه بناء على كون القيد قيدا واقعا كما عرفت من كون غير المأكول بنفسه أخذ عدمه قيدا في الصلاة، فلذا يستتبع الشكّ فيه للشكّ في المانعيّة فيأتي ما تقدّم من البحث.
و أمّا فيما إذا لم يكن كذلك بأن لا يكون الشيء بوجوده الواقعي مانعا بل كانت مانعيّته ناشئة عن حيث مزاحمته للصلاة كالغصب فلا إشكال في عدم
[1] الظاهر انّ الشك في الصورة الثالثة كما يتراءى من تصويرها عند بيان الصور الثلاثة يكون شكا في أصل ثبوت المانع لا في مانعية الموجود المحتمل في الصورة الثانية، و لذا تكون الصورة الثالثة أسهل أمرا من الصورة الثانية، فإن تجري البراءة في الثانية كما تسلّمه (رحمه اللّٰه) فهي تجري في الثالثة بطريق اولى، بل الحق انّه يلزم الحكم بالاشتغال في الثانية و بالبراءة في الثالثة مع انّه عكس الأمر فيهما. س. ع. ف.