أما ذلك العبد الاسود الفقير، الذي لم يكن له من الاثر في الحياة، ما يملأ الشعور أو يشغل الذاكرة[جون مولى أبي ذر الغفاري]، فقد أرغم التاريخ على تقديسه، لانه قتل في سبيل اللّه فكان «الشهيد» بكل ما في الكلمة من معنى.
اذا، فليس من شروط الشهادة و لا من لوازم كرامتها، أن لا تكون الا في العظيم، و ليس من شروط العظيم اذا قتل أيّ قتلة كانت، ان يكون شهيدا على كل حال.
و لندع الآن هذا التمهيد لنخطو عنه الى الموضوع الثاني، ثم لنأخذ منه حاجتنا عند اقتضاء البحث.
2 صورة مصغرة عن الوضع الشاذ في المدائن:
علمنا مما سبق-و بعض الاعادة ضرورة للبحث-أن خيرة أجناد الحسن كان في الركب الذي سبقه في مقدمته الى «مسكن» ، و أن الفصائل التي عسكر بها الحسن في «المدائن» كانت من أضعف الجيوش معنوية، و من أقربها نزعة الى النفور و القلق و الانقسام.
و علمنا أنه فوجئ في أيامه الاول من المدائن-و لما يتلقّ نجداته من معسكراته الاخرى-بوادر ثلاث، كانت نذر الكارثة على الموقف.
1-أنباء الخيانة الواسعة النطاق في «مسكن» .
2-الشائعة الاستفزازية التي ناشدت الناس بأن ينفروا، لان قيس ابن سعد-و هو القائد الثاني على جيش مسكن-قد قتل!.
3-فتنة الوفد الشامي الذي جاء ليعرض كتب الخونة الكوفيين على الامام، ثم خرج و هو يعلن في المعسكر أن الحسن اجاب الى الصلح!.