و وعظهم و حذرهم غضب الجبار فلم ينفع!فنادى بصوت عال: يا عمر بن سعد، هذا الحسين ابن بنت رسول اللّه قد قتلتم أصحابه و أهل بيته و هؤلاء عياله و أولاده عطاشى، فاسقوهم من الماء قد أحرق الظمأ قلوبهم و هو مع ذلك يقول: دعوني اذهب إلى الروم أو الهند و أخلي لكم الحجاز و العراق فأثر كلامه في نفوس القوم حتى بكى بعضهم و لكن الشمر صاح بأعلى صوته: يا ابن أبي تراب لو كان وجه الأرض كله ماء و هو تحت أيدينا لما سقيناكم منه قطرة إلا أن تدخلوا في بيعة يزيد.
فرجع إلى أخيه يخبره فسمع الأطفال يتصارخون من العطش [1] فلم تتطامن نفسه على هذا الحال و ثارت به الحمية الهاشمية:
يوم أبو الفضل تدعو الظاميات به # و الماء تحت شبا الهندية الخذم
و الخيل تصطك و الزغف الدلاص على # فرسانها قد غدت نارا على علم
و أقبل الليث لا يلويه خوف ردى # بادي البشاشة كالمدعو للنعم
يبدو فيغدو صميم الجمع منقسما # نصفين ما بين مطروح و منهزم [2]
ثم إنه ركب جواده و أخذ القربة فأحاط به أربعة آلاف و رموه بالنبال فلم ترعه كثرتهم و أخذ يطرد أولئك الجماهير وحده و لواء الحمد يرف على رأسه و لم يشعر القوم أهو العباس يجدل الأبطال أم أن الوصي يزأر في الميدان!فلم تثبت له الرجال، و نزل إلى الفرات مطمئنا غير مبال بذلك الجمع.
و دمدم ليث الغاب يعطو بسالة # إلى الماء لم يكبر عليه ازدحامها
و خاض بها بحرا يرف عبابه # ظبى و يد الأقدار جالت سهامها
ألمت به سوداء يخطف برقها # البصائر من رعب و يعلو قتامها
جلاها بمشحوذ الغرارين أبلج # يدب به للدارعين حمامها
فحلأها عن جانب النهر عنوة # و ولت هواديها يصل لجامها
ثنى رجله عن صهوة المهر و امتطى # قرى النهر و احتل السقاء همامها