فقال لأخيه العباس: «اركب بنفسي أنت» [1] حتى تلقاهم و اسألهم عما جاءهم و ما الذي يريدون فركب العباس في عشرين فارسا فيهم زهير و حبيب و سألهم عن ذلك قالوا: جاء أمر الأمير أن نعرض عليكم النزول على حكمه أو ننازلكم الحرب.
فانصرف العباس 7 يخبر الحسين بذلك و وقف أصحابه يعظون القوم، فقال لهم حبيب بن مظاهر: أما و اللّه لبئس القوم عند اللّه غدا قوم يقدمون عليه و قد قتلوا ذرية نبيه و عترته و أهل بيته و عبّاد أهل هذا المصر المتهجدين بالاسحار الذاكرين اللّه كثيرا فقال له عزرة بن قيس: إنك لتزكي نفسك ما استطعت.
فقال زهير: يا عزرة، إن اللّه قد زكاها و هداها فاتق اللّه يا عزرة فإني لك من الناصحين، أنشدك اللّه يا عزرة أن لا تكون ممن يعين أهل الضلالة على قتل
[1] الطبري ج 6 ص 137 و روضة الواعظين ص 157 و الارشاد للمفيد و البداية لابن كثير ج 8 ص 176.
غير خاف ما في هذه الكلمة الذهبية من مغزى دقيق ترى الفكر يسف عن مداه و أنى له أن يحلق إلى ذروة الحقيقة من ذات طاهرة تفتدى بنفس الإمام علة الكائنات و الفيض الأقدس للممكنات.
نعم عرفها البصير الناقد بعد أن جربها بمحك النزاهة فوجدها مشبوبة بجنسها ثم اطلق عليها تلك الكلمة الغالية «و لا يعرف الفضل إلا أهله» .
و لا يذهب بك الوهم أيها القارىء إلى القول بعدم الأهمية في هذه الكلمة بعد قول الإمام 7 في زيارة الشهداء من زيارة وارث بأبي أنتم و أمي طبتم و طابت الأرض التي فيها دفنتم، لأن الإمام 7 في هذه الزيارة لم يكن هو المخاطب لهم و إنما هو 7 في مقام تعليم صفوان الجمال عند زيارتهم أن يخاطبهم بذلك فإن الرواية تنص كما في مصباح المتهجد للشيخ الطوسي أن صفوان استأذن الصادق في زيارة الحسين و أن يعرفه ما يقوله و يعمل عليه فقال له: يا صفوان صم قبل خروجك ثلاثة أيام إلى أن قال: ثم إذا أتيت الحائر فقل: اللّه أكبر، ثم ساق الزيارة إلى أن قال: ثم اخرج من الباب الذي يلي رجلي علي بن الحسين و توجه إلى الشهداء و قل: السلام عليكم يا أولياء اللّه إلى آخرها.
فالإمام الصادق 7 في مقام تعليم صفوان أن يقول في السلام على الشهداء ذلك و ليس في الرواية ما يدل على أنه 7 كيف يقول لو أراد السلام على الشهداء.