ثم إنه لو تحقق نذر الحج على وجه صحيح من المكلف، فإن كان النذر مطلقا فيجب القيام به متى أراد، و لو فات عنه- و لو من جهة فجأة الاضطرار، بعد استقرار وجوبه- فهل يجب على وليه أن يقضي عنه من أصل ماله أو من ثلثه، أو لا يجب عليه القضاء إلّا في صورة وصيته؟ وجوه بل أقوال.
أقول: الذي يقتضيه التحقيق في المقام، هو أن يقال: إنّ النذر- بمقتضى ظهور اللام في الاختصاص الوضعي- يوجب اختصاصا له تعالى بالمنذور فعلا أم نتيجة، كليا أم جزئيا، و من المعلوم أنّ شأن الاختصاصات الوضعية، عند قيامها بشيء، أن يكون لمعروضها نحو وجود حقيقي أو اعتباري، لأنّ معروضاتها في اعتبار العقلاء هي الأشياء، بوصف الموجودية، و مثل هذه الصفة المأخوذة في متعلّق هذه الأعراض إن لم تكن بنحو الحقيقة فلا محيص عن اعتبارها في الذمة، فالموجودات الذمية حقيقة موجودات خارجية في اعتبار المعتبر في ظرف ذمته، نظير وجودها حقيقة في صندوقه.
و ذلك نحو وجود آخر غير الموجودات الذهنية، التي هي صقع وجود الماهيات الكلية برمتها، و لو لم يكن في العالم ذمة و لا اعتبار شيء آخر. و لذا تتصف الكليات الذمية بوصف ذمتها بالملكية خارجا، و ليس كذلك الكليات الذهنية بوصف ذهنيتها جزما، و ذلك برهان قاطع على المغايرة.
و حيث اتضح ما ذكرنا، ظهر وجه ملازمة طروء هذه الصفات على الكليات المحضة، مع اعتبار كونها ذمية، و لازمة أيضا انتزاع عنوان الدين عنها، إذ لا نعني بالدين إلّا الكليات الذمية، متعلقة لحق الغير.
و بهذه الجهة أيضا تمتاز الوضعيات المزبورة عن التكاليف، إذ في مرحلة تعلّق التكليف بالأشياء، كليا أم جزئيا، لا يلزم اعتبار الموجودية فيها، و لو في الذمة، فضلا عن غيرها.