وفرق ما بين الجوهر والعرض ، والصّحّة البيّنة والمرض ، والدّرّ والحصا ، والحسام والعصا ، والرجوع إلى التفويض للأقدار ، في أمور هذه الدار ، الكثيرة الأكدار ، هو المطلوب ، والمرجوّ من الله سبحانه جبر القلوب : [المجتث]
يا ربّ نفّس همومي
واكشف كروبي جميعا
فقد رجوت كريما
وقد دعوت سميعا
ولم يجعل لي المذكور. حفظه الله!. فسحة ولا مندوحة ، بعد هذه الأعذار المحمودة في الصدق الممدوحة ، ولسان حالي وقالي ، يثبتان عجزي عن أداء هذا الحقّ بشهادة من هو وادّ وقالي ، إذ من كان بصفة ، غير متمكّنة مما تكون به متّصفة ، واتّسم بنعوت مختلفة ، وارتسم في غير ذوي الأحوال المؤتلفة ، كيف يحير في التصنيف جوابا ، أو ينتحي من التأليف صوابا؟ ومن جفنه هام هامل ، وقصوره عامّ شامل ، كيف يقبض بالأنامل ، على ماء البحر الوافر الكامل؟ ومن لبس من العيّ ملاه [٢] ، لا يعبّر عمّن طبّق مفاصل الكلام [٣] وكلاه ، وقصّرت ألسن البلغاء عن علاه ، وزانت صدور الدواوين حلاه ، وجمّع خلالا حسانا ، وكان للدّين لسانا ، وزاحمت مفاخره بالمناكب الكواكب ، وازدانت بمرآه النوادي والمواكب ، ونفحات الأزهار من آدابه ، ونسمات الأسحار عطر أذياله وأهدابه ، والسّحر من كتابته ، والسّحر من كنايته ، وروح النسيم من تعريضه ، والنّثرة من نثره ، والشّعرى من شعره وقريضه ، وحلل المجد لباسه ، وأنوار العلم اقتباسه : [الوافر]
له ذهن يغوص ببحر علم
فيأتي منه بالدّرّ النظيم
[١] الفوارط : جمع فارط ، وهي من القطا ونحوها التي تتقدم نحو الماء للشرب ، والهيم : جمع هيماء وهي الشديدة العطش ، وفي القرآن الكريم (فَشارِبُونَ شُرْبَ الْهِيمِ).
[٢] ملاه : أصله «ملاءه» فقصره لإتمام السجع ، والملاء : جمع ملاءة ، وهي الثوب.
[٣] يقال «فلان يجيد الحز ، ويطبق المفصل» إذا كان خبيرا عارفا بمواضع الإصابة.