الأعلى ، فأقفله مع نفسه ومضيا جميعا ومعهما من الناس من اختار القفول. وأقام من آثر السّكنى في مواضعهم التي كانوا قد اختطّوها واستوطنوها ، وقفل معهم الرسولان مغيث وأبو نصر حتى احتلّوا بإشبيلية ، فاستخلف موسى ابنه عبد العزيز على إمارة الأندلس ، وأقرّه بمدينة إشبيلية لاتّصالها بالبحر نظرا لقربه من مكاره [١] المجاز ، وركب موسى البحر إلى المشرق بذي الحجة سنة خمس وتسعين وطارق معه ، وكان مقام طارق بالأندلس قبل دخول موسى سنة وبعد دخوله سنتين وأربعة أشهر ، وحمل موسى الغنائم والسّبي ، وهو ثلاثون ألف رأس والمائدة منوّها بها ومعها من الذخائر والجواهر ونفيس الأمتعة ما لا يقدر قدره ، وهو مع ذلك متلهّف على الجهاد الذي فاته ، أسف [٢] على ما لحقه من الإزعاج ، وكان يؤمل أن يخترق ما بقي عليه من بلاد إفرنجة ، ويقتحم الأرض الكبيرة حتى يتصل بالناس إلى الشام مؤملا أن يتخذ مخترقه بتلك الأرض طريقا مهيعا [٣] يسلكه أهل الأندلس في مسيرهم ومجيئهم من المشرق وإليه على البرّ لا يركبون بحرا ، وقيل : إنه أوغل في أرض الفرنجة حتى انتهى إلى مفازة كبيرة وأرض سهلة ذات آثار ، فأصاب فيها صنما عظيما قائما كالسارية مكتوبا فيه بالنقر كتابة عريبة قرئت ، فإذا هي : يا بني إسماعيل ، انتهيتم فارجعوا ، فهاله ذلك ، وقال : ما كتب هذا إلّا لمعنى كبير ، فشاور أصحابه في الإعراض عنه وجوازه إلى ما وراءه ، فاختلفوا عليه ، فأخذ برأي جمهورهم وانصرف بالناس ، وقد أشرفوا على قطع البلاد وتقصّي الغاية.
وحكى الرازي : أن موسى خرج من إفريقية إلى الأندلس في رجب سنة ثلاث وتسعين ، واستخلف على إفريقية أسنّ ولده عبد الله بن موسى ، وكان موسى في عشرة آلاف ، قال : وكان عبد الملك بن مروان هو الذي أغزى موسى المغرب في خلافته ، ففتح له في أهله البرابرة فتوح كبار ، حتى لقد بعث إلى عبد الملك في الخمس بعشرين ألف سبيّة ، ثم أردفها بعشرين ألفا أخرى ، كل ذلك من البربر ، فعجب عبد الملك يومئذ من كثرة ذلك.
وزعم ابن حبيب : أنه دخل الأندلس رجل واحد من أصاغر الصحابة ، وهو المنيذر ، قال : ودخلها من التابعين ثلاثة : موسى الأمير ، وعلي بن رباح اللخمي ، وحيوة بن رجاء التميمي ، وقيل : إن ثالثهم إنما هو حنش بن عبد الله الصنعاني ، صنعاء الشام ، وإنهم قفلوا عنها بقفول موسى ، وأهل سرقسطة يزعمون أنّ حنشا مات عندهم ولم يقفل للمشرق ، وقبره لديهم مشهور يتبرّكون به ولا يختلفون فيه ، فالله أعلم.