أي الذي خلقني من العدم ، ومضت عليّ أزمنة طويلة ما كنت فيها شيئاً مذكوراً ، كما أخبر عنها القرآن الحكيم بقوله تعالىٰ : ( هَلْ أَتَىٰ عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا )[١].
ثم أحسن بي وأشار باسمي حين وقعت نطفتي في رحم اُميّ ، فحفظني فيها وما أضاعها ، ثم جعلني في أربعين يوماً علقة حمراء ، كما مرّ.
ثمّ جعلني مضغة ، ثمّ جنيناً ذا نفسين : نفس نباتية ، ونفس حيوانية.
ثمّ ألهمني جذب دم الطمث في رحم اُمي من السرّة إلىٰ معدتي ، وغذّاني به ما أبقاني فيه ، إلىٰ أن مضت عليّ الشهور ، وأثّرت فيّ الكواكب السبعة.
ثمّ أخرجني منها ملهماً بالتقام ثدي اُمي ، ومعلّماً بالبكاء ، ولولا إلهامه تعالىٰ وتعليمه لجعلتُ الئدي في فضاء فمي اُلجلجه وما مصصته.
ثمّ حفظني ورزقني في الدرجة الحيوانية إلىٰ أوان بلوغي الصوري ، ثمّ وفّقني لتحصيل كمالاتي النفسانية ، واكتساب معارفه ومعارف أوليائه وأنبيائه ، إلىٰ أن بلغت أشدّي.
فكنت مدّة في هاوية الهيولىٰ والظلمات ، وزماناً في فيفاء الجمادات ، ووقتاً في آجام القصبات ومنبت النباتات ، وبرهة كالديدان في الموحلات ، وكباقي الحيوانات والعجماوات.
وفي جميع هذه المواقف والمقامات ، غذّاني وربّاني وحفظني وكلأني ، وصيّرني إنساناً في أحسن تقويم ، ذا الأيدي والقوىٰ والقُدُر ، فبأيّ لسان أشكر نعماءه وأحمد آلاءه ؟ وفي أي بيان أدرج محامده وثناءه ؟