ثقة آخذ منه معالم
ديني؟ [١] يدلّ على أنّ قبول قول الثقة كان أمرا مفروغا عنه عند
الراوي ، كما نبّه عليه في الرسالة [٢] ، ولكنه ليست
المفروغيّة لتعبّد ونصّ من الشرع ، بل لحكم الفطرة والعقل ، وعلى هذا النموذج سائر
الأدلة الموردة في هذا البحث ، ويأتي التنبيه عليها في مواضعها ، وللكلام بقيّة
تسمعها إن شاء الله في بحث تعارض الأدلة ، وبالجملة المتّبع في هذه المسألة سيرة
العقلاء.
ثانيهما : لم يسلك
العقلاء سبيل التعبّد الوعر فيما حكموا بحجّيته ، ولم يعرفوا قط معنى لسببية
الأمارة ، ولا لمدخليّة سلوك الأمارة في مصلحة العمل وإن خالف الواقع ، بل المعنى
المعقول لديهم هو المعنى المستفاد من لفظ الحجّة ، أعني ثبوت آثار التكليف بوجودها
، وعدم ترتّبها مع عدم قيامها ، فالمولى يعاقب عبده ، والصديق يعاقب صديقه بترك
حقّ له أقام الحجّة عليه ، ويعذره إذا تدلّى بحجّة على الترك ، فإذا أخبرك الثقة
بحمى صديقك وتركت عيادته ، فإنّك ترى من نفسك استحقاقها العتاب ، كما ترى لها
العذر في تركها إذا أخبرك بأنه أبلّ [٣] من الداء.
هذا هو المحجّة
الواضحة التي سنّتها الفطرة ، وجرى عليها العقلاء كافة ، وأمضاها الشارع ، فتجدهم
على اختلاف الأعصار والأمصار متّفقين على ما وصفناه فيما لهم أو عليهم من الحقوق
وإن اختلفوا في أغراضهم الشخصية إقداما وإحجاما ، فبينا ترى الرّجل المقدام يخاطر
بنفسه وماله في مزاولة الأسفار ويقذف بهما في لهي أهوال القفار والبحار ، لا
يستصحب معه دينارا أودعه عنده صديقه ، فضلا عن حمل عياله وأولاده معه ، إلاّ مع
قيام الحجّة على سلامة