ثم إذا رأى الشارع
أنّ المكلّف لو ترك ونفسه يعمل بكلّ ظن سنح له ، ويكثر وقوعه في خلاف الواقع ،
ويرى الشارع في أنواع الظن ما هو أكثر مصادفة له ، وأقلّ خطأ من غيره ، فلا بدّ من
إرشاده إليه ، وعليه لا يلزم اجتماع الضدّين أو المثلين ، لأنها ليست أحكاما
مولوية.
وأما الإلقاء في
المفسدة أو الحرمان من المصلحة ، فليس بمحذور يؤبه به بعد دوران الأمر بينهما وبين
الوقوعي في مفسدة أعظم ، أو الحرمان من مصلحة كذلك ، هكذا نقل عن السيد الأستاذ ،
وهو مأخوذ من كلام الشيخ في الرسالة [١] ، وإليه يؤول
القول بأنّ التعبّد بها بجعل الحجّية ، ولا بدّ له من مزيد بيان ، ونحن نعيد
النّظر فيه والكلام عليه بعد الفراغ عن بيان سائر الوجوه ، إن شاء الله تعالى.
الوجه الثاني ،
فتقريره بقاعدة الترتّب التي أوضح تبيانها وشيّد أركانها السيد الأستاذ ، وكلام
الشيخ الأعظم في أول رسالة البراءة [٢] لا يكاد ينطبق
إلاّ عليها ، ولا يتّضح مراده إلاّ بها ، ولا يمكن أن يؤتى في المقام بأحسن منها ،
فبيانها يبتني على مقدّمات :
أوّلها : أنّ الأحكام
لا تتعلّق إلاّ بالموجودات الذهنية ، لا بما هي موجودة فيه ، بل بما هي حاكية عن
الخارج ، فالشيء ما لم يتصوّر في الذهن لا يتّصف بحسن ولا قبح ، ولا يتعلّق به أمر
ولا نهي ، وقد تقدّم بيان هذه المقدّمة ، والبرهان عليها في مبحث اجتماع الأمر
والنهي على النمط الوافي والبيان الشافي ، ولكن لا بدّ من بيانه هنا على وجه
الاختصار ، ترفّقا بالقرّاء الكرام ، ورفعا عنهم ثقل المراجعة.
فنقول : من
المقرّر في محلّه ، أنّ الأغراض على أقسام ثلاثة : فمنها : ما