ولا ينحصر المحذور
في صورة عدم مصادفة الأمارة الواقع ، إذ في صورة مصادفتها إيّاه يلزم اجتماع
المثلين ، وهو في الاستحالة كاجتماع الضدّين.
ويلزم زيادة على
ما قرّره اجتماع المصلحة والمفسدة ، واجتماع المحبوبيّة والمبغوضيّة ، وتفويت
المصلحة والإغراء بالمفسدة فيما إذا أدت الأمارة إلى ترك واجب أو إتيان محرّم.
فمن المهمّ جدّاً
تصوّر جعل الطرق والأمارات ، بل الأصول الشرعية كالاستصحاب على وجه لا يلزم منه
شيء من هذه المحاذير مع بقاء الواقع على ما هو عليه من الحكم ، وعدم الجنوح إلى
التصويب الباطل عند أصحابنا رضوان الله عليهم.
( الوجوه التي يجمع بها
بين الأحكام الواقعية وبين مؤدّى الأمارات )
ولا بدّ في الجمع
بينهما من أحد أمور ثلاثة : إمّا الالتزام بعدم كون مؤدّياتها أوامر حقيقة ، أو
كون موضوعاتها غير موضوعات الأحكام الواقعية ، أو الاكتفاء بتعدّد الجهة مع اتّحاد
موضوعاتهما ، كما في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، ولا رابع لهذه الوجوه.
امّا الأول ،
فالظاهر أنه هو المعتمد عليه عند أكثر القدماء ، كما يظهر من الفروعات التي ذكروها
لمسألة الإجزاء ، وفي مسألة رجوع المفتي عن فتواه.
وتقريره على وجه
يصح حتى في صورة انفتاح باب العلم ، ولا يلزم منه تفويت الواقع بلا مصلحة موجبة له
، أن يقال : إنّ انسداد باب العلم كما يكون عقليا ، كذلك قد يكون شرعيا ، بمعنى
أنه وإن كان تحصيل الواقعيات ممكنا للمكلّفين ، ولكن الشارع الحكيم يرى في إلزامهم
أو التزامهم به إضرارا بهم ، ومفسدة لهم من الحرج الموجب لاختلال أمور معاشهم
ومعادهم ، فيجب بموجب الحكمة دفع هذا الالتزام ، والاكتفاء بغيره.