لا دليل على كون الخروج واجباً، و اما حرمته فهي مبنية على قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا و خطاباً، و لكن سيأتي بيان ان هذه القاعدة تنافي الخطاب، ضرورة انه لا يمكن توجيه التكليف نحو العاجز و لو كان عجزه مستنداً إلى سوء اختياره، لكونه لغواً محضاً و صدور اللغو من الشارع الحكيم مستحيل، و كيف كان فهذا القول غير معقول، و على تقدير كونه معقولا فلا دليل عليه كما عرفت. و اما القول الثالث (و هو كون الخروج واجباً فعلا و محرما بالنهي السابق الساقط بالاضطرار أو نحوه) فهو و ان كان له بحسب الظاهر صورة معقولة ببيان ان الخروج بما انه تصرف في مال الغير بسوء اختياره فلا مانع من ان يعاقب عليه، لفرض انه مبغوض للمولى و ان كان النهي عنه فعلا غير معقول لاستلزامه التكليف بالمحال، و بما انه مصداق للتخلية و لرد المال إلى مالكه فلا مانع من كونه واجباً. فالنتيجة هي ان الخروج واجب فعلا و منهي عنه بالنهي السابق، الا انه بحسب الواقع و الدقة العقلية ملحق بالقولين الأولين في الفساد و الوجه في ذلك هو ان تعلق الأمر و النهي بشيء واحد محال و ان كان زمان تعلق أحدهما غير زمان تعلق الآخر به، فان ملاك استحالة تعلق الأمر و النهي بشيء واحد و إمكانه انما هو بوحدة زمان المتعلق و تعدده، و لا عبرة بوحدة زمان الإيجاب و التحريم و تعدده أصلا، بداهة انه لا يعقل ان يكون شيء واحد في زمان واحد متعلقاً للإيجاب و التحريم معاً، و ان فرض ان زمان الإيجاب غير زمان التحريم، و السر في ذلك واضح و هو ان الفعل الواحد في زمان واحد اما ان يكون مشتملا على مصلحة ملزمة، و اما ان يكون مشتملا على مفسدة كذلك فعلى الأول لا مناص من الالتزام بوجوبه، و على الثاني لا مناص من الالتزام بحرمته و لا يعقل إيجابه و تحريمه معاً، كما هو واضح.