حجّية خبر الواحد في الموضوعات و أمّا الأمر الثاني - و هو أنّه هل نقول بحجيّة خبر الواحد في الموضوعات بشكل المطلق و في غير وثاقة الراوي التي انتهينا عن حجيّته فيها أو لا؟ فقد ذهب أستاذنا الشهيد - رحمه اللَّه - في المجلّد الثاني من البحوث إلى حجيّة خبر الثقة في الموضوعات و دليله على ذلك أمران: أحدهما - دعوى السيرة العقلائية على العمل بخبر الثقة في الموضوعات و عدم اختصاصها بباب الأحكام. و قد مضى منّا التشكيك في أصل دعوى السيرة العقلائية على حجيّة خبر الواحد، و مضى منّا أنّه على تقدير التسليم بها لا يحتمل الفرق بين باب الأحكام و باب الموضوعات. و ثانيهما - مثل قوله: «العمري و ابنه ثقتان فما أدّيا إليك عنّي فعنّي يؤدّيان» فهذا التعبير يفهم تعليل حجّية أدائه إلى الإمام عليه السّلام بالوثاقة و التعليل إشارة إلى كبرى كلّية قد تتردّد سعة و ضيقا بين عدّة كبريات، فالمفروض الاقتصار على أضيق كبرى تشمل المورد ما لم تكن هناك كبرى معهودة عرفا، و مركوزة مناسبتها للصغرى المصرّح بها، و إلاّ فهذا الارتكاز بنفسه قرينة على ملء الفراغ بتقدير تلك الكبرى المعهودة و لو كانت أوسع من مقدار الحاجة في اقتناص النتيجة المذكورة في النصّ، و مقامنا من هذا القبيل فإنّ الحاجة في اقتناص النتيجة بحسب المورد لا تكون إلى أكثر من تقدير حجيّة خبر الثقة في الأحكام كبرى في القياس، و لكن حيث أنّ كبرى حجيّة خبر الثقة بنحو أوسع مركوزة - حسب ما يعتقده أستاذنا الشهيد رحمه اللَّه، فينصرف ملء الفراغ إليها حفظا لمناسبات الصغرى و الكبرى المركوزة في الذهن العرفي و تلك الكبرى الأوسع هي حجيّة خبر الثقة مطلقا. و لا يتوهم أنّ هذا رجوع إلى الاستدلال بالسيرة فإنّ السيرة العقلائية بذاتها غير حجّة، و إنّما الحجيّة لموافقة الشارع و موافقته تكشف بعدم الردع، و هذا هو الوجه الأوّل. و أخرى بدلالة لفظية، و إن كانت نفس السيرة دخيلة في تكوّنها، و هذا هو الوجه الثاني. و يظهر الأثر العملي فيما لو احتملنا الردع من دون أن يثبت بدليل خاص فهذا يضرّ بالدليل الأول و لا يضرّ بالدليل الثاني. و على أيّة حال فبناء على ما مضى منّا من التشكيك في أصل السيرة العقلائية يبطل هذا الوجه أيضا.