وهذه الدعوى في الجملة مما لا إشكال
فيها ولا سبيل إلى إنكارها ، لأنه قد استقرت الطريقة العقلائية على العمل بالحالة
السابقة وعدم الاعتناء بالشك في ارتفاعها ، كما يشاهد ذلك في مراسلاتهم ومعاملاتهم
ومحاوراتهم ، بل لولا ذلك يلزم اختلال النظام ، فان النيل إلى المقاصد والوصول إلى
الاغراض يتوقف غالبا على البناء على بقاء الحالة السابقة ، ضرورة أن الشك في بقاء
الحياة لو أوجب التوقف في ترتيب آثار بقاء الحياة لانسدت أبواب المراسلات
والمواصلات والتجارات ، بل لم يقم للعقلاء سوق.
وبالجملة : لا ينبغي التأمل في أن الطريقة
العقلائية قد استقرت على ترتيب آثار البقاء عند الشك في الارتفاع [١] وليس عملهم على ذلك لأجل حصول
الاطمينان لهم بالبقاء ، أو لمحض الرجاء ، بداهة أنه لا وجه لحصول الاطمينان مع
فرض الشك في البقاء ، والعمل برجاء البقاء إنما يصح فيما إذا لم يترتب على عدم
البقاء أغراض مهمة ، وإلا لا يكاد يمكن ترتيب آثار البقاء رجاء ، مع أنه يحتمل
فوات المنافع أو الوقوع في المضار المهمة ، فعمل العقلاء على الحالة السابقة ليس
لأجل الرجاء ولا لحصول الاطمينان ، بل لكون فطرتهم جرت على ذلك فصار البناء على
بقاء المتيقن من المرتكزات في أذهان العقلاء.
فظهر : أنه لا مجال لانكار قيام السيرة
العقلائية والطريقة العرفية على الاخذ بالحالة السابقة وعدم الاعتناء بالشك في
ارتفاعها ، ولم يردع عنها الشارع.
[١] أقول : ولعمري!
أن جميع ذلك من باب الوثوق النوعي الحاصل في نظائره من ظواهر الألفاظ وسائر
الموارد التي يجري على طبق الغالب ، لا أنه من باب التعبد والاخذ بأحد طرفي الشك
تعبدا ، ولو فرض تماميته وعدم ثبوت الردع عن مثل هذا الوثوق النوعي في الموضوعات
للزم حجية الاستصحاب من باب الظن وكان من الامارات ، ولا أظن يلتزم به المستدل ، فتدبر.