قلنا بحرمة التطوع
لمن عليه فريضة ، فان استحباب التطوع وإن رتب في ظاهر الأدلة على أن لا تكون في
ذمة المكلف صلاة واجبة في نفس الامر ، إلا أن مناسبة الحكم والموضوع يقتضي ترتب
استحباب التطوع على من لم يتنجز في حقه وجوب الصلاة ، إذ من المستبعد جدا عدم
استحباب التطوع لمن لم يتنجز عليه وجوب الصلاة ، بحيث يجوز له الأكل والشرب والنوم
ولا يجوز له التطوع في الصلاة ، فلو شك في وجوب الصلاة عليه فبأصالة البراءة يثبت
استحباب التطوع ، وإن فرض مخالفة البراءة للواقع.
وأخرى : لا يستفاد من مناسبة الحكم
والموضوع ذلك ، بل رتب أحد الحكمين على عدم الآخر واقعا ، كترتب وجوب الحج على عدم
اشتغال ذمة المكلف بمال الناس [١]
فان الظاهر : عدم وجوب الحج على من كانت ذمته مشغولة بحق الناس واقعا وإن لم يعلم
به ، وفي مثل ذلك يستقيم مقالة الفاضل التوني رحمهالله
من أنه لا يثبت أحد الحكمين بمجرد نفي الحكم الآخر بالبراءة ، إذ أصالة البراءة لا
تقتضي نفي الحكم واقعا ولا يثبت عدمه النفس الأمري ، والمفروض : أن أحد الحكمين
إنما رتب على عدم الآخر واقعا.
نعم : لو كان عدم أحد الحكمين الذي اخذ
قيدا لوجود الآخر مجرى للاستصحاب كان استصحاب عدمه مثبتا للحكم الآخر ، لان
الاستصحاب ينفي الحكم الواقعي ، فإنه من الأصول المحرزة ، فلا مانع من ترتب أحد
الحكمين على عدم الآخر المحرز بالاستصحاب ، فتأمل جيدا. هذا كله في الشرط الأول.
وأما
الشرط الثاني : فهو من أصله فاسد ،
لان المورد الذي تجري فيه البراءة إن كان مما يندرج في قاعدة « لا ضرر » فلا محل
لجريان البراءة ولا غيرها من الأصول ، بل ولا الأدلة الاجتهادية ، لحكومة القاعدة
على جميع ذلك. وإن لم
[١] أقول : ما أفيد
جيد إلا أن في كون الحج مترتبا على عدم الاشتغال واقعا بلا لزوم أدائه ظاهرا نظر
جد ، وتوضيحه في قوله.