ولا يلزم من ذلك صحة
العمل عند زوال صفة الجهل ، لما عرفت : من أنه بالعلم يتبدل الاستقلالي النفسي إلى
الغيري القيدي ، فيصح العمل من الجاهل ولا يصح من العالم.
وتوهم : أنه كيف يمكن تبدل وصف
الاستقلالية إلى الغيرية مع وضوح التنافي بين الوصفين فاسد ، فان التنافي بينهما
يمنع عن اجتماعهما في محل واحد ، وليس المدعى هذا ، بل المدعى أن زوال صفة الجهل
بالحكم يوجب زوال وصف الاستقلالية عن وجوب الجهر أو الاخفات والتلبس بوصف الغيرية
، هذا مع بقاء ملاك الاستقلالية ، لان التنافي إنما هو بين وصف الاستقلالية
والغيرية ، لا بين الملاكين.
والحاصل : أن وصف الاستقلالية والغيرية
كوصف الوجوب والاستحباب مما لا يمكن أن يجتمعا ، لتنافيهما ذاتا ، إلا أنه يمكن أن
يطرء على الاستقلالية ملاك الغيرية ، فيكون الشيء واجبا بالغير بعدما كان واجبا
بالاستقلال ، وتندك جهة الاستقلالية في الجهة الغيرية [١] كما تندك جهة الاستحباب في جهة الوجوب.
[١] أقول : الوجوب
الذي تعلق به العلم قهرا يكون في الرتبة السابقة عن العلم ، فكيف يعقل اندكاكه بما
يتحصل في الرتبة اللاحقة؟ بل لا محيص من وجود كل منهما في رتبة نفسه ، ويستحيل
صيرورة العلم بالشئ للانقلاب عما هو عليه في مرتبة وجوده ، غاية الامر أمكن أن
يحدث العلم وجودا آخر في الرتبة المتأخرة عن نفسه ، فلا جرم يبقى المعلوم في رتبة
معلوميته بحاله ، ولازمه عند ترك الجهر في الصلاة الجهرية مع العلم بوجوب جهره
العقابين : عقاب بترك الجهر المعلوم وجوبه نفسيا ، وعقاب لترك الصلاة المقيد به في
الرتبة المتأخرة.
ولئن قيل : بأن الوجوب النفسي
ظرفه الصلاة الصحيح ولو اتي في الرتبة المتأخرة. نقول : إن أريد من الظرف ما هو من
قبيل الشرط لوجوبه ، فيلزم أن يكون وجوبه النفسي المعلوم مشروطا بوجوده ، وهو أفحش
فسادا! وإن أريد مجرد الظرفية لامتثاله مع إطلاق وجوبه ، فيلزم التالي المزبور :
من تعدد العقوبة ، ولو ترى بالنظر الانصافي تجد أن هذا الوجه غير قابل للتفوه به.