وأما المقدمة الثانية : فللمنع عنها
مجال ، إذ استحقاق العقاب وعدمه ليس من المسائل الفقهية الشرعية التي ينعقد عليها
الاجماع ، وليس في أدلة الباب ما يدل على العقاب ، مع أنه لو سلم انعقاد الاجماع
على استحقاق العقاب ، ففي اعتبار مثل هذا الاجماع إشكال ، خصوصا إذا كان من
المجمعين من يرى العقاب على نفس ترك التعلم لا على مخالفة الواقع ويذهب إلى
استحقاق المتجري للعقاب.
وبالجملة : مجال المنع عن المقدمة
الثانية واسع ، ومعه لا يبقى إشكال في المقام حتى نحتاج إلى التخلص عنه ، ولكن حيث
كان مبنى الاشكال على تسليم المقدمتين ، فينبغي التخلص عن الاشكال بعد فرض صحتهما.
فنقول :
أما
في مسألة الجهر بالقراءة في موضع وجوب الاخفات وبالعكس :
فيمكن أن يكون الواجب على عامة المكلفين هو القدر المشترك بين الجهر والاخفات ،
سواء في ذلك العالم والجاهل ، ويكون الجهر والاخفات بالقراءة في موارد وجوبهما
واجبان مستقلا نفسيان في الصلاة ، فيكون المجعول جزء للصلاة أولا وبالذات هو القدر
المشترك بين الجهر والاخفات ، من دون أن يكون لأحدهما دخل في حصول الجزء الصلاتي ،
بل الصلاة تكون ظرفا لامتثالهما ـ كسائر موارد وجوب الشيء في ظرف واجب آخر ـ ولكن
وجوبهما الاستقلالي عند العلم به ينقلب إلى وجوب الغيري ويصير قيدا للصلاة ، ولا
مانع من أن تكون صفة العلم موجبة لتبدل صفة الوجوب من النفسية إلى الغيرية ومن
الاستقلالية إلى القيدية ، فيرتفع الاشكال بحذافيره ، لان العقاب إنما يكون على
ترك الواجب النفسي في حال الجهل مع كون المأتي به هو المأمور به في ذلك الحال ،
لأن المفروض : أن المأمور به هو القدر المشترك بين الجهر والاخفات وقد اتي به ،