علم بوجوب أحد
الشيئين أو الأشياء ، فهنا قضية معلومة تفصيلا وهي وجوب أحدهما على سبيل منع الخلو
، وقضيتان مشكوكتان إحداهما : وجوب هذا الطرف بالخصوص ، والأخرى : وجوب الطرف
الآخر كذلك. ولو كانت الأطراف متعددة فالقضايا المشكوكة تزيد بمقدار عدد الأطراف.
ومن
المعلوم : أن رتبة الحكم الظاهري ليست محفوظة بالنسبة إلى نفس القضية المعلومة
بالتفصيل : لان الجهل مما لابد منه في كل حكم ظاهري ، أمارة كان أو أصلا تنزيليا
أو غير تنزيلي ، فلا مجال للتعبد بكل أمارة أو أصل كان مؤداه مماثلا أو مضادا لنفس
المعلوم بالاجمال : فلو فرض أن هناك أصلا كان مؤداه مضادا لنفس المعلوم بالاجمال ،
فهذا الأصل لا يجري ، وينحصر ذلك [١]
ظاهرا في أصالة الإباحة عند دوران الامر بين المحذورين : لما تقدم في تلك المسألة
من أن أصالة الإباحة تقابل نفس المعلوم ، فلو علم إجمالا بوجوب فعل شيء أو تركه ،
فأصالة الإباحة من الفعل تقتضي الرخصة في كل من الفعل والترك وكذا أصالة الإباحة
من الترك تقتضي ذلك ، وهذا ينافي العلم
في منع شموله
للطرفين تفصيلا من عنوان الفعل والترك ، والمفروض أن أصل الإباحة التعبدية أيضا لا
يقتضي أزيد من الترخيص في طرفي الفعل والترك ، ولا يشمل لعنوان أحدهما المبائن مع
عنواني الفعل والترك ، كي يلزم عدم صحة التعبد بالإباحة في مورد العلم بالمحذورين.
وتوهم عدم جريان أصالة
الإباحة في المحذورين دون سائر الأصول الجارية في الطرفين في غاية الدفع ، وحينئذ
لا يبقى في البين إلا شبهة مضادة الترخيصين مع الالزام الواقع ، وبعد إمكان الجمع
بين الإباحة الظاهرية مع اللزوم الواقعي لا يبقى مانع عن الجريان إلا حيث تنجيز
الواقع ، ومع عدم تنجزه أيضا بحكم العقل لا يبقى مجال لرفع اليد عن إطلاق أصالة
الحلية في مثل المورد ـ كاطلاق أدلة سائر الأصول للطرفين ولو لدفع احتمال ايجاب
الاحتياط الشرعي في البين ـ كي يتوهم بأن مع حكم العقل تنجزيا بالتخيير لا مجال لجريان
الترخيص الشرعي ، كما لا يخفى.
[١] سيأتي في بعض
المباحث أن قاعدة الفراغ في بعض موارد الشك في أفعال الصلاة يكون مؤداها مضادا
للمعلوم بالاجمال أيضا ( منه ).