ويتلو هذا في الضعف دعوى تبعية الأوامر
والنواهي لمصالح في نفسها من دون أن يكون هناك مصلحة في المتعلق ، بل المصلحة في
نفس الأمر والنهى. ومن ادعى هذه المقالة وإن لم يدعيها كلية وفي جميع الأوامر
والنواهي ، بل ادعاها موجبة جزئية ، ومثل لها بالأوامر الامتحانية ، حيث إنه ليس
في متعلقاتها مصلحة ، فلابد وأن تكون هناك مصلحة في نفس الأمر والجعل. ألا أن الأنصاف
فساد هذا الدعوى ولو بنحو الإيجاب الجزئي ، فان المصلحة في الأمر مما لا معنى لها [٢] وإلا يلزم أن تتحقق المصلحة بمجرد
الأمر بلا انتظار شيء آخر ، والأوامر الامتحانية ليست كذلك ، فان المصلحة فيها
إنما تكون قائمة في إظهار العبد الإطاعة وكونه بصدد امتثال الأوامر الصادرة من
المولى ، وإظهار الإطاعة لا يتحقق إلا بالجري على وفق ما تعلق الأمر به ، وأين هذا
من كون المصلحة في نفس الأمر؟.
فتحصّل : أنه لا سبيل إلى إنكار تبعية
الأحكام للمصالح والمفاسد في المتعلقات ، وأن في الأفعال في حد ذاتها مصالح ومفاسد
كامنة مع قطع النظر عن أمر الشارع ونهيه وأنها تكون عللا للأحكام ومناطاتها ، كما
أنه لا سبيل إلى إنكار إدراك العقل تلك المناطات موجبة جزئية وأن العقل ربما يستقل
بقبح شيء وحسن آخر. ولا يمكن عزل العقل عن إدراك الحسن والقبح ـ كما عليه بعض
الأشاعرة ـ فان عزل العقل عن ذلك يوجب هدم أساس إثبات الصانع ، ويلزم إفحام
الأنبياء ، لأنه على هذا لا يستقل بقبح إعطاء المعجزة بيد الكاذب ولا قبح المعصية
وحسن الطاعة.
وبالجملة : عزل العقل عن الإدراك مما
يوجب هدم أساس الشريعة ، فلا إشكال
[١] الوسائل : الباب
١٢ من أبواب مقدمات التجارة الحديث ٢
[٢] أقول : الأولى
أن يقال : إن المصلحة الناشئة من قبل الأمر معلول الأمر فكيف يكون مقتضيا له!.