فلو شك في إطلاق التكليف واشتراطه في
عالم الجعل والتشريع ، فالأصل يقتضي البراءة عند عدم وجود ما شك في شرطيته ، للشك
في التكليف ، وإن شك في الإطلاق والاشتراط في مرحلة البقاء والاستمرار فالأصل
يقتضي الاشتغال ، لأن حقيقة الشك يرجع إلى أن الصيام في المثال المتقدم هل يكون
مسقطا للتكليف بالصلاة أو لا يكون مسقطا؟ [١]
وكلما رجع الشك
إلى الشك في المسقط ، فالأصل يقتضي عدم السقوط. فلا يقاس الشك في الإطلاق
والاشتراط في مرحلة الحدوث بالشك في الإطلاق والاشتراط في مرحلة البقاء ، فان
الأول يرجع إلى الشك في التكليف عند عدم تحقق الشرط ، والثاني يرجع إلى الشك في
سقوط التكليف عند عدم الشرط ، وذلك أيضا واضح لا ينبغي إطالة الكلام فيه.
الأمر
الثالث :
يعتبر في جريان البراءة أن يكون الشك في
أمر مجعول شرعي تناله يد الوضع والرفع ولو بتبع منشأ الانتزاع [٢] كالشك في الجزئية والشرطية ، وإن لم
تنلها يد الوضع والرفع في حد نفسها وبحيال ذاتها لأنها من الأمور الانتزاعية كما
أوضحناه في محله ـ إلا أنه يمكن وضعها ورفعها بوضع التكليف الذي يكون منشأ انتزاع
الجزئية والشرطية ورفعه ، وهذا المقدار يكفي في جريان البراءة عند الشك فيها.
والحاصل : أن الذي يعتبر في جريان
البراءة أمران :
[١] أقول : الأولى
أن يقال : عند الشك في اشتراط بقاء التكليف المرجع استصحاب بقائه لا الاشتغال ،
كيف! وفي طرف البقاء يشك في أصل التكليف وأصل الاشتغال.
وما قرع سمعك من مرجعية الشك
في المسقط إلى الاشتغال إنما هو في صورة تعلق الشك بوجود بدل مفوت له ، لا مثل
المقام ، كما لا يخفى ، فتدبر.
[٢] أقول : وسيتضح
لك ( إن شاء الله تعالى ) أن هذه المقدمة غير منتجة لمرامه ، فتكون مستدركا.