وأنت خبير بما فيه ، فان الأمر بالعمل ،
إما أن يكون بنفسه عباديا ـ أي كان الغرض من الأمر التعبد والتقرب به ـ كالأمر
المتعلق بالصلاة ، وإما أن يكتسب العبادية من أمر آخر لأجل اتحاد متعلقهما ، كوجوب
الوفاء بالنذر [١]
فان الأمر بالوفاء بالنذر بنفسه لم يكن عباديا ، بل هو كسائر الأوامر التوصلية لا
يعتبر في سقوطه قصد الامتثال والتقرب ، ولكن لو تعلق النذر بما يكون عبادة ـ كنذر
صلاة الليل ـ يكتسب الأمر بالوفاء بالنذر العبادية من الأمر بصلاة الليل ، كما أن
الأمر بصلاة الليل يكتسب الوجوب من الأمر بالوفاء ، والسر في ذلك : هو أن النذر
إنما يتعلق بذات صلاة الليل لا بها بما أنها مستحبة بحيث يؤخذ استحبابها قيدا في
متعلق النذر ، وإلا كان النذر باطلا لعدم القدرة على وفائه ، فان صلاة الليل
بالنذر تصير واجبة ، فلا يمكن بعد النذر فعل صلاة الليل بقيد كونها مستحبة ، فلابد
وان يتعلق النذر بذات صلاة الليل ، والأمر الاستحبابي الذي تعلق بها أيضا قد تعلق
بذات صلاة الليل لا بوصف كونها مستحبة ، فان هذا الوصف إنما جاء من قبل الأمر بها
فلا يمكن أخذه في متعلق
[١] أقول : بعد ما
كان رجحان متعلق النذر شرط صحة النذر ، فقهرا هذا الرجحان ملحوظ في متعلقه ، ولا
يعقل تجريد المتعلق عن هذا الرجحان ، كيف! ولازم التجريد عدم دخل الرجحان في الصحة
، فإذا كان كذلك فيستحيل اتحاد الأمر الناشئ من قبل النذر مع هذا الرجحان الذي هو
شرط الصحة ، فإذا لم يتحدا ، فلا محيص من اعتبار الذات في الرتبتين فرارا عن لزوم
اجتماع الضدين ، وحينئذ فلا قصور في إبقاء الذات الملحوظ متعلقا للنذر وموضوعا له
على استحبابه ، مع كون الذات الملحوظ في مرتبة الوفاء بالنذر الملحوظ في المرتبة
اللاحقة متصفا بالوجوب ، نظير اتصاف الذات في المرتبة السابقة عن اعتقاد العصيان
على ما هو عليه من الحكم الواقعي مع اتصاف الذات في رتبة اعتقاد العصيان ـ المسمى
بالتجري ـ بالمبغوضية ، بلا تضاد بينهما ، كما لا يخفى.
وحينئذ لا يبقى مجال لما أفيد
: من اكتساب الأمر بالوفاء بالنذر العبادية عن الأمر بالذات ، إذ هذا الاكتساب فرع
التأكد واتحاد أحدهما مع الآخر ، وهذا المعنى في مثل المقام من طولية الحكمين
مستحيل ، إذ الطولية موجبة لتخلل الفاء بينهما ، ومع هذا التخلل يأبى العقل عن
الحكم بالاتحاد والتأكد بينهما ، كما لا يخفى.
وحينئذ ربما يكون باب النذر
من تلك الجهة كباب إجارة العبادات. نعم : لو لم نقل بشرطية رجحان المتعلق في النذر
كان لما أفيد وجه ، ولكنه ظاهرا خلاف الإجماع ، إلا في بعض الموارد على ما حقق في
محله ، فراجع كلماتهم وتدبر فيها.