المحتملات أو اختلال
النظام هو نفي جعل الشارع الاحتياط في الجميع طريقا ، وأما جعل الطريقية في البعض
فلا ينفيه ، ولا سبيل إلى دعوى نصب الشارع الظن طريقا ، لما عرفت : من أن الطريق
الواصل بنفسه ليس هو إلا الاحتياط. هذا إذا كان الوجه في بطلان الاحتياط الشرعي هو
الإجماع أو اختلال النظام. وإن كان الوجه فيه لزوم العسر والحرج ، فقد عرفت : أن
أدلة نفيهما لا تكفى في بطلانه ، لان الاحتياط الشرعي يكون أخص مطلق من أدلة
نفيهما.
ولو كان المستند في عدم جواز إهمال
الوقايع المشتبهة العلم الإجمالي ـ وكان بطلان الاحتياط لأجل الإجماع على عدم وجوب
الجمع بين المحتملات أو لأجل اختلال النظام أو لزوم العسر والحرج ـ فالنتيجة هي
التبعيض في الاحتياط أيضا ، ولكن لزوم الاحتياط في البعض على هذا يكون لأجل
استقلال العقل به إرشادا ، لا لأجل ايجابه شرعا ، فهذا الوجه مع الوجه السابق وإن
كان يشترك في كون النتيجة التبعيض في الاحتياط ، إلا أنه في الوجه السابق يكون
الاحتياط في البعض من الاحتياط الشرعي ، وفي هذا الوجه يكون من الاحتياط العقلي.
ولو كان الوجه في بطلان الاحتياط هو
الإجماع على أن بناء الشريعة ليس على الامتثال الاحتمالي والإتيان بمتعلقات
التكاليف على وجه الاحتمال ، فالنتيجة تكون حجية الظن شرعا على جميع التقادير ،
سواء كان عدم جواز إهمال الوقايع المشتبهة لأجل الإجماع ، أو الخروج عن الدين ، أو
العلم الإجمالي ، فإنه لا يمكن المنع عن الامتثال الاحتمالي بلا نصب طريق إلى
إحراز التكاليف مع انسداد باب العلم بها [١]
والطريق الذي يمكن نصبه شرعاً
[١] أقول : قد تقدم
سابقا بأنه لو فرض قيام الإجماع على عدم الامتثال الاحتمالي ، لا يلازم ذلك أيضا
مع حجية الظن بمعنى الوسطية ، بل كما يناسب ذلك مع الإجماع المزبور يناسب أيضا مع
جعل وجوب العمل بالظن شرعا من باب المقدمية لتنجيز الواقع في ضمن ظنونه ، نظير
ايجاب الاحتياط في الشبهات البدوية ، إذ حينئذ لا يكون الامتثال احتماليا ، بل
الحكم الشرعي الطريقي دعاه على الإمتثال.