ويمكن أن يكون ما ورد من الأخبار
المتكفلة لبيان جواز العمل بخبر الثقة من الطوائف المتقدمة كلها إمضاء لما عليه
بناء العقلاء وليست في مقام تأسيس جواز العمل به ، لما تقدم من أنه ليس للشارع في
تبليغ أوامره طريق خاص ، بل طريق تبليغها هو الطريق الجاري بين الموالى والعبيد
العرفية من دون أن يكون له طريق مخترع ، وحال الخبر الموثوق به عند الموالى
والعبيد حال العلم في جواز الركون إليه والإلزام والالتزام به في مقام المخاصمة
والمحاجة.
ومنه يظهر : أن الآيات الناهية عن العمل
بالظن لا تشمل خبر الثقة ، حتى يتوهم أنها تكفى للردع عن الطريقة العقلائية ، لأن
العمل بخبر الثقة في طريقة العقلاء ليس من العمل بما وراء العلم ، بل هو من أفراد
العمل بالعلم [١]
لعدم التفات العقلاء إلى مخالفة الخبر للواقع ، لما قد جرت على ذلك طباعهم واستقرت
عليه عادتهم ، فهو خارج عن العمل بالظن موضوعا ، فلا تصلح لأن تكون الآيات الناهية
عن العمل بما وراء العلم رادعة عن العمل بخبر الثقة ، بل الردع عنه يحتاج إلى قيام
الدليل عليه بالخصوص ، بل لابد من تشديد النكير على العمل به ، كما شدد النكير على
العمل بالقياس ، لاشتراك العمل بالقياس مع العمل بخبر الثقة في كونه مما استقرت
عليه طريقة العقلاء وطبعت عليهم جبلتهم.
والإنصاف : أن التأمل في طريقة العقلاء
يوجب القطع بخروج الاعتماد على خبر الثقة عن الاعتماد بالظن ، فما سلكه الشيخ قدسسره في وجه عدم كون الآيات الناهية عن
العمل بما وراء العلم رادعة عن العمل بخبر الثقة تبعيد للمسافة بلا ملزم ، مع أن
ما أفاده لا يخلو عن المناقشة ؛ فراجع.