العقلاء ـ بخلاف خبر
الفاسق ، فان الاعتماد عليه يعد من السفاهة والجهالة ، فخبر العادل لا يشارك خبر
الفاسق في العلة ، بل هو خارج عنها موضوعا.
فان
قلت : لو لم يصح الاعتماد على خبر الفاسق ،
فكيف اعتمدت الصحابة على خبر « الوليد الفاسق » وأرادوا تجهيز الجيش على قتال «
بني المصطلق » عند إخبار « الوليد » بارتدادهم وامتناعهم عن أداء الصدقة؟.
قلت
: ربما يركن الشخص إلى ما لا ينبغي
الركون إليه غفلة أو لاعتقاده عدالة المخبر [١]
فنزلت الآية الشريفة للتنبيه على غفلتهم أو لسلب اعتقادهم عن عدالة « الوليد ».
وبالجملة : لا إشكال : في أن الاعتماد على خبر الفاسق يكون من الجهالة ، دون
الاعتماد على خبر العادل.
وثانيا : أنه على فرض أن يكون معنى
الجهالة عدم العلم بمطابقة الخبر للواقع لا يعارض عموم التعليل للمفهوم ، بل
المفهوم يكون حاكما على العموم ، لأنه يقتضي إلغاء احتمال مخالفة خبر العادل
للواقع وجعله محرزا له وكاشفا عنه فلا يشمله عموم التعليل ، لا لأجل تخصيصه
بالمفهوم لكي يقال : إنه يأبى عن التخصيص ، بل لحكومة المفهوم عليه ، فليس خبر
العدل من أفراد العموم ، لأن أقصى ما يقتضيه العموم هو عدم جواز العمل بما وراء
العلم ، والمفهوم يقتضي أن يكون خبر العدل علما في عالم التشريع ، فلا يعقل أن يقع
التعارض بين المفهوم وعموم التعليل ، لأن المحكوم لا يعارض
أمارة مخالفة للواقع
، فضلا عن مجرد عدم العلم به إذا كان المقصود به حفظ الواقع ، خصوصا في الأمور
المهمة ، كما هو مورد الآية الشريفة ، وحينئذ فلا غرو في دعوى كون الجهالة مطلق
عدم العلم.
ومن هذا البيان ظهر أيضا : أن
العلة جارية حتى في صورة العمل بما هو حجة لديهم من خبر الثقة والعدل ، لأن العمل
بمثله في مثل حفظ النفوس والأعراض يوجب الندامة وإن لم يوجب الملامة ، فإذا شمل
العلة بهذه القرينة ما هو حجة لديهم أيضا ، كان لازمه بمقتضى عموم العلة ردعهم عن
مثل هذا العمل مطلقا ، ومع هذا التعميم لا يبقى مجال حكومة المفهوم على عموم العلة
، بل عموم العلة موجب لمنع المفهوم ، كما لا يخفى ، فتدبر.
[١] أقول : بل ربما
يكون شدة الاهتمام بشيء لحفظ النفس والعرض يوجب الإقدام
بمجرد الاحتمال الضعيف الغير البالغ إلى مرتبة الحجية لدى العقلاء بلا غفلة ، كما
هو ظاهر.