وبعد ذلك نقول : ان
امتناع الشرط المتأخر في موضوعات
الاحكام يتوقف على بيان المراد من الموضوع ، وهو يتوقف على بيان الفرق بين القضايا
الحقيقية والقضايا الخارجية ، وان المجعولات الشرعية انما تكون على نهج القضايا الحقيقية
لا القضايا الخارجية ، وقد تقدم منا شطر من الكلام في ذلك في باب الواجب المشروط
والمطلق ، ولا بأس بالإشارة الاجمالية إليه ثانيا.
فنقول : القضايا الخارجية
عبارة عن قضايا جزئية شخصية خارجية ، كقوله : يا زيد أكرم عمروا ، ويا عمرو حج ، ويا
بكر صل ، وغير ذلك من القضايا المتوجهة إلى آحاد الناس من دون ان يجمعها جامع ، وهذا
بخلاف القضايا الحقيقية ، فان الأشخاص والآحاد لم تلاحظ فيها ، وانما الملحوظ فيها
عنوان كلي رتب المحمول عليه ، كما إذا قيل : أهن الجاهل ، وأكرم العالم ، فان
الملحوظ هو عنوان الجاهل والعالم ويكون هو الموضوع لوجوب الاكرام من غير أن يكون
للآمر نظر إلى زيد وعمرو وبكر ، بل إن كان زيد من افراد العالم أو الجاهل فالعنوان
ينطبق عليه قهرا ، كما هو الشأن في جميع القضايا الحقيقية ، حيث يكون الموضوع فيها
هو العنوان الكلي الجامع ويكون ذلك العنوان بمنزلة الكبرى الكلية ، ومن هنا يحتاج
في اثبات المحمول لموضوع خاص إلى تأليف قياس ، ويجعل الموضوع الخاص صغرى القياس والعنوان
الكلي كبرى القياس ، فيقال : زيد عالم وكل عالم يجب اكرامه فزيد يجب اكرامه ، وهذا
بخلاف القضايا الخارجية ، فان المحمول فيها ثابت لموضوعه ابتداء من دون توسط قياس
كما هو واضح ، وقد استقصينا الكلام في الفرق بين القضية الحقيقية والقضية الخارجية
والأمور التي تترتب عليه ، والغرض في المقام مجرد الإشارة إلى الفرق ، حيث إن
المقام أيضا من تلك الأمور المترتبة على الفرق بين القضيتين. ومجمل الفرق بينهما :
هو ان الموضوع في القضية الحقيقية حملية كانت أو شرطية ، خبرية كانت أو انشائية ، هو
العنوان الكلي الجامع بين ما ينطبق عليه من الافراد ، وفي القضية الخارجية يكون هو
الشخص الخارجي الجزئي ، ويتفرع على هذا الفرق أمور تقدمت الإشارة إليها ـ منها : ان
العلم انما يكون له دخل في القضية