responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الأفكار المؤلف : الرشتي، الميرزا حبيب الله    الجزء : 1  صفحة : 359

بعض الأخبار نعم ما ورد أنّه إذا اقتتل رجلان فالقاتل و المقتول كلاهما في النار أمّا القاتل لقتله و أمّا المقتول بقصده القتل ينافي العفو الحتميّ لكنّه رواية و العفو عن العزم المجرّد دراية مدركها صريح الأخبار و اتفاق العلماء الأبرار نعم خلود الكفار أيضا دراية ثابتة بالضّرورة فما المناص عن ذلك و ينحل بأن المنافي للجمع المذكور تعليل خلودهم بالنيات لا أصل الخلود فيؤول إلى ما لا ينافي إجماعهم على أن العزم المجرّد لا عقاب عليه و لا يمكن التفصّي عن هذين الموردين بوجه آخر و هو الالتزام بالتخصيص و أن نية خصوص بعض المعاصي قد خرجت عن عموم العفو لأنه ثبت بالشرع و ليس بعقلي حيث إنّ العقل لا يحكم إلا باستحقاق العقاب لكن ثبت بالشرع العفو عنه و لا مانع من الالتزام بالتخصيص في عموم ما دلّ على العفو في كلّ مورد ثبت المؤاخذة و العقاب فلا تنافي بين ما دلّ على المؤاخذة و ما دلّ على العفو و بذلك نستريح عن مئونة البحث عن وحدة العقوبة أو تعدّدها أو التداخل بين عقوبة المعصية و عقوبة العزم عليها في العاصي و أمّا رواية الحميري فهي و إن كانت منافية لأخبار المؤاخذة للجمع المذكور بينها و بين أخبار العفو إلا أنّها لا عبرة بها في مقابل الأدلة الأربعة المذكورة فتلخص أن إرادة المعصية قبيحة يستحق بها الذّم و العقاب إلاّ أنّ اللّه تعالى منّ على عباده بالعفو عنها و عن غير واحد دعوى الاتفاق على ذلك إلاّ أنّ فيه إشكال من وجهين أحدهما أن الحسن و القبح العقليّين و كذا الحكم الشرعي محلّهما الفعل الاختياري الصّادر من الفاعل المختار عن اختيار فما لا يكون من سنخ الأفعال أو كان و لم يكن باختيار المكلّف لا يتصف بشي‌ء منهما و لا يتعلّق به الحكم الشرعي أيضا و الإرادة على ما صرّح به المحققون منهم أفضل المحققين الطّوسي في محكي التجريد هي العلم بالمصلحة أو اعتقاد النفع فهي من الكيفيات النفسانية كالحبّ و البغض و الفرح و الهمّ و نحوهما لا من الأفعال الاختيارية فكيف يتصف بالقبح و يتعلّق بها الحرمة و ما هو إلاّ كتقبيح سواد الوجه و تحريمه فلا بدّ من طرح الأدلّة الدالّة على حرمتها أو تأويلها نظرا إلى مخالفتها لما اتفق عليه العدلية من عدم الاتصاف بالمدح و الذم و الوجوب و الحرمة إلاّ الفعل الاختياري نعم لو قلنا بأن الإرادة فعل القلب كما عليه ظاهر المحقق و جملة من الفقهاء حيث فسّروا النية بفعل تفعل بالقلب ثمّ ما ذهبوا إليه إلاّ أنّه خلاف التحقيق الّذي عليه أهله و لعلّ كلام الفقهاء ينظر إلى ما اعتبروه في العبادات من الأخطار و هو مسلّم إذ لا شبهة في أنّ إحضار صورة العلم و نية الإخلاص في الذهن عند الاشتغال به عمل قلبي يفعل بالقلب و أمّا القصد و العزم و الإرادة الّتي كلامنا فيها ليست من الأفعال القلبية و كيف كان فالإشكال إنما يتجه على ما هو المختار في معنى الإرادة و مختار المحققين من كونها العلم بالمصلحة أو اعتقاد النفع (فإن قلت) مجرّد الاعتقاد بالنفع لا يكفي في صدور الفعل بل لا بدّ مع ذلك من بعث الجوارح و تحريكها إلى ما هو المقصود و المراد و هذا البعث هو الإرادة و العزم و هو من الأفعال القلبية لا من الكيفيّات النفسيّة كالعلم (قلت) إذا اعتقد الفاعل المختار نفعا في فعل فبهذا الاعتقاد تنبعث الجوارح إلى إيجاد ذلك الفعل و لا يتعقل بين الأمرين أعني الاعتقاد و الانبعاث واسطة نسمّيه بالعزم و الإرادة و هذا معنى كون الأعضاء مسخّرات للنفس و قد سبق بعض الكلام المناسب للمقام في اعتبار قصد العنوان في صدق الواجب (و ثانيهما) أنّ قصد المعصية ليس له إلاّ جهة المقدمية الّتي قد عرفت أنّها لا تؤثر ذمّا و لا تستتبع عقابا إذ لا نجد في القصد إلى شي‌ء سوى جهة المقدمية إلى ذلك الشي‌ء فلا يزيد حال القصد عن حال سائر المقدّمات فلا بدّ إمّا من الالتزام بحرمة مقدّمة الحرام مطلقا أو الالتزام بعدم حرمة القصد أيضا و دعوى أن في القصد إلى المعصية جهة مقبحة نفسيّة كشف عنها الشارع كسائر المحرمات الشرعية التعبدية الّتي لا يدرك قبحها العقل إلا بعد خطاب الشارع و هذا أمر محتمل لم يقم قاطع على خلافه فلا مانع عن حرمة العزم نفسيّا تعبّدا بالشرع مكابرة واضحة نعم في مثل الغرس للخمر و المشي لسعاية المؤمن أو نحو ذلك من العناوين الخاصة يمكن الالتزام بذلك لكن القصد إلى الشي‌ء ليس كذلك إذ القصد إلى الشي‌ء ليس فيه جهة أخرى غير كونه مقدّمة لحصول المقصود فالإشكال المذكور بعد

تسليم كون العزم من الأفعال لا من الكيفيات مما لا محيد عنه هذا و يمكن أن يجاب عن الإشكال الأول بأن مرجع تحريم العزم على المعصية إلى وجوب إعدام العزم و إيجاد الصّارف و لو بالتأمّل في سوء العاقبة و المفاسد المترتبة على معصية المولى و هو فعل ممكن نظير العلم بالمعارف الواجبة فكما أن الأمر بها يرجع إلى الأمر بالنظر و سائر المقدّمات الاختيارية لكون المعرفة نفسها من الكيفيات النفسانية و ليست من قبيل الأفعال القلبية فكذلك تحريم العزم على المعصية بعد تسليم كونه من الكيفيات لا من الأفعال يرجع إلى الأمر بالإعدام بمجاهدة النفس و التفكر في سوء العاقبة فلا ضرورة باعثة على رفع اليد عمّا ثبت نصّا و فتوى من حرمة العزم و عن الثاني بأنّ العزم على الفعل كشرب الخمر مثلا و إن لم يكن فيه جهة مقبحة سوى صرف المقدمية لشربها لكن العزم على عنوان معصية المولى و مخالفة أمره عنادا و استكبارا توهين لشأن المولى و معاداة واضحة معه و هو في أعلى درجة القبح العقلي فالعزم على شرب الخمر إن كان لغلبة الهوى و شهوة النفس فمسلّم عدم اشتماله على جهة مقبحة غير جهة المقدّمية إلى الشّرب الّتي هي مشتركة بين العزم و سائر مقدّماته و أمّا لو كان الغرض صرف مخالفة المولى و هتك ناموسه في أعين الناس فقبحه لا يكاد يخفى مع قطع النظر عن كونه مقدّمة لشربها فالمراد بحرمة العزم على المعصية هو العزم على العنوان الثانوي أعني عنوان المعصية دون العزم على عنوان الحرام الأولي أعني شرب الخمر و الزنا و ظاهر النصّ و الفتوى و إن كان هو حرمة العزم على الحرام على الوجه الأول أعني بعنوانه الأولي لكن لا بدّ فيهما من ارتكاب التّأويل و حملهما

اسم الکتاب : بدائع الأفكار المؤلف : الرشتي، الميرزا حبيب الله    الجزء : 1  صفحة : 359
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست