responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الأفكار المؤلف : الرشتي، الميرزا حبيب الله    الجزء : 1  صفحة : 213

استقلال العقل بوجوبه و يرجع إلى هذا النّحو من الإرشاد جميع التكاليف الشرعية عند العدلية حتى إنّه يظهر من السّلطان (قدّس سرّه) أنّ مفادها ليس سوى الكشف عن تلك المصالح فيمكن الالتزام بثبوتها في بعض أحوال العجز أيضا كحال تعذّر المقدّمة و هذا بظاهره مرغوب عنه و سنشير إلى ما فيه في مقدّمة الواجب إن شاء الله تعالى (بل التّحقيق) أنّ الأوامر الشرعيّة جامعة بين الجهتين فمن حيث الكشف عن المصالح و المفاسد المترتبة على نفس الأفعال مع قطع النظر عن العلم و الجهل تكون إرشادا للعباد من الحكيم و من حيث استتباعها الثّواب و العقاب المترتبين على موافقتها أو مخالفتها بعد العلم بها أوامر مولويّة مطلوب فيها الإطاعة و هذا نظير ما لو أمر المولى عبده بشي‌ء فيه إصلاح مزاج العبد فإنّه ليس تكليفا محضا أو إرشادا كذلك بل جامع بينهما و من ذلك يظهر أن جعل الجماعة الأمر الإرشادي مقابلا للوجوب و النّدب غير سديد كما أن الفرق بينه و بين النّدب بما ذكر غير مفيد كيف و على ما ذكروه يلزم أن يكون الأوامر الشرعية مستعملة في المعنيين قضاء لحق المغايرة فالّذي يقتضيه التحقيق هو أنّ الإرشاد و غير الإرشاد جهتان عارضتان للأمر المستعمل في الطّلب بملاحظة الدّواعي و الجهات الباعثة فإن كان الدّاعي إليه هي الإطاعة بالمعنى الأعم الموجود في التوصّليات كان أمرا تكليفيا وجوبيا أو ندبيّا و إن كان الداعي إليه صرف النصح و الدّلالة على الخير كان إرشاديّا فإذا اجتمع الحيثيّات لإمكان ذلك كما لا يخفى كان الأمر بالفعل حينئذ تكليفا و إرشادا من جهتين و لا فرق في ذلك بين القسم الأول من الإرشاد أعني ما كان المصلحة فيه معلومة للمخاطب و القسم الثاني فيتصوّر في كلّ منهما أن يكون الغرض الدّاعي أحد الأمرين أو كليهما و تشخيص ذلك موكول إلى ملاحظة صلاحية المأمور به فقد لا يكون صالحا إلاّ للأمر الإرشادي كالأمر بالإطاعة لما عرفت و قد ينعكس الأمر فلا يحتمل إلا صرف التكليف كما لو أمر المولى عبده بشي‌ء يكون مصلحة للمولى و مفسدة على العبد و يجري هذا المجرى التكاليف الشّرعية على مذهب الأشعري فإنّ التكليف الشرعي بناء على أصلهم و إن لم يكن لمصلحة تعود إلى الشارع إلاّ أنّه ليس لمصلحة تعود إلى العباد أيضا موجودة في نفس الفعل المأمور به بل لمصلحة تحدث فيه بعد صدور الأمر قضاء لحق كون الحسن و القبح شرعيّين و المدار في كون الأمر إرشاديا أن يكون المصلحة الدّاعية إليه موجودة في الفعل مع قطع النظر عن الأمر و أمّا على مذهب العدليّة ففيه جمع بين الجهتين سواء تعلّق التكليف بالمستقلاّت العقليّة كقبح الظّلم و حسن الإحسان أو بغيرها من الأمور التوقيفية لأنّ كون المأمور به مصلحة عند العقل لا يمنع عن اقتضاء التكليف به ترتب الثواب و العقاب عليه (و من هنا يظهر) أن جعل ما ورد في المستقلاّت من الخطابات السّمعيّة أوامر إرشادية دون ما تعلّق بغيرها من التكاليف ليس على ما ينبغي لاشتمال كلّ منهما على الجهتين فتسمية أحدهما بالإرشاد دون الآخر تخصيص من دون مخصّص إلا أن يوجّه ذلك بأن المصلحة في غير المستقلات لما كانت مخفيّة جرى مجرى صرف التكليف فقد ظهر ممّا ذكرنا أن الأمر الإرشادي قسم من أقسام الأمر الوجوبي أو النّدبي بحسب اختلاف المقامات و حسبان أنّه حقيقة ثالثة من سنخ الإنشاء كما هو صريح جماعة و ظاهر آخرين ليس على ما ينبغي كيف و الإرشاد كما يحصل بالطّلب كذلك يحصل بالإخبار فإن زعموا أن الصّيغة في مقام الإرشاد مستعملة في الإخبار و محض الكشف عن الواقع كما يظهر من بعض فالحوالة فيه على الوجدان و إن زعموا أنّ الإنشاء الإرشادي ليس من سنخ إنشاء الطّلب بل هو إنشاء آخر مغاير له في الحقيقة فهذا لا نتعقله إلاّ أن يقال إنّ الصّيغة في مقام الإرشاد مستعملة في إظهار المصلحة كما أنّها في مقام الإيجاب مستعملة في إظهار الإرادة لكنّه مع ابتنائه على أصلنا من وضع الصّيغة لإظهار الإرادة لا لنفسها كما هو ظاهر القوم و لا لاقتضاء الفعل كما هو مذهب الأشعري و بعض المتأخرين ليس بأولى من القول باستعمالها في إظهار الإرادة في الموضعين مع ما في الأوّل من ارتكاب التجوّز أو تعدد الموضع كما لا يخفى ثم أن الإرادة على فرض كونها عبارة عن العلم بالمصلحة و اعتقاد النفع كان إظهار المصلحة و إظهار الإرادة بمعنى فتبطل المغايرة المتوهّمة أيضا كما هو واضح و لعلّ منشأ زعم المغايرة ما فرضه بعض المحققين من اجتماع الأمر الإرشادي مع بغض المرشد للفعل المأمور به مع أنّ العاقل لا يكون طالبا لما هو مبغوض له واقعا

و فيه أنّ طلب الفعل إنّما ينافي بغض المطلوب إذا كان الطّلب منشؤه تحصيل المطلوب كما هو الغالب فلو كان مسبّبا عن أغراض أخر كالابتلاء و التقية في وجه و النّصح و غير ذلك ممّا نتكلّم فيه فلا منافات بينهما مع أنّ من البيّن أنّ الأمر الإرشادي مع كون الفعل مبغوضا للأمر لا يتصوّر إلا إذا زاحم جهة بغضه مصلحة النصح و الإرشاد و إلا فالعاقل لا يرشد إلى مبغوضه أيضا فلا بدّ أن يكون المرشد النّاصح طالبا للفعل المأمور به و لو كان بالعرض و من جهة إدراك مصلحة النصح و الإرشاد الّتي هي محبوبة له ذاتا أو بملاحظة رجحانه الشرعي فإذا حصل الرّجحان و الحبّ العرضيّين ارتفع الإشكال المتوهّم أعني امتناع تعلّق الطّلب بالفعل المبغوض إرشادا و بذلك يستغني عن جعله من باب الأمر الامتحاني فيكون وجها ثانيا لرفع التوهّم المزبور (و الحاصل) أنا لا نتعقل من الصّيغة في مقام الإرشاد معنى مغايرا لما نتعقل منها في مقام الإيجاب و إنّما نتعقّل المغايرة بين الدّاعي في المقامين بل الظّاهر أن الأمر كذلك في جميع المعاني الآتية كما سنشير إليه إن شاء الله تعالى و ربما يعرف الأمر الإرشادي بما كان المصلحة فيه عائدة إلى المخاطب دون الأمر كما في‌

اسم الکتاب : بدائع الأفكار المؤلف : الرشتي، الميرزا حبيب الله    الجزء : 1  صفحة : 213
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست