معجز
خارق للعادة بعد ما فرضنا انه لا قبح في إجرائها بيد الكاذب، وهكذا لو لم
يكن الكذب وخلف الوعد قبيحا لم يكن لنا طريق إلى الجزم بتحقق وعده تعالى
شأنه.
و بالجملة التوالي الفاسدة المترتبة على هذا المسلك مما يضحك الثكلى، فلا
يحتمل صحته أصلا، فيبقى الاحتمال الثالث، وهو أن يكونا من الأحكام العقلية
العملية، بمعنى إدراك العقل استحقاق الفاعل للمدح والثناء أو الذم واللوم،
وعلى هذا فالحسن والقبح العقليان يكونان مختصين بالأفعال الاختيارية، ولا
يجريان فيما يصدر عن غير اختيار، إذ لا معنى لمدح العبد على إنقاذ ابن
المولى في حال النوم، كما لا معنى لحكم العقل بقبح ضرب العبد مولاه في حال
الإغماء. نعم حسن الشيء وقبحه بمعنى كونه ذا منفعة أو مضرة، أو كونه ذا
مصلحة أو مفسدة، أو كونه منافرا للطبع أو ملائما لا ينحصران بالأمور
الاختيارية، كما لا يكونان اختياريين، ولذا تقول: مدحت اللؤلؤ على صفائها،
ولكنهما أجنبيان عن الحسن والقبح العقليين.
و لا يخفى ان حكم العقل بحسن شيء أو قبحه إنما يكون بانطباق عنوان العدل
والظلم عليه، فما يكون حسنا بحكم العقل أولا ومن دون حاجة إلى أن يدخل تحت
عنوان آخر هو العدل، وما يكون قبيحا كذلك هو الظلم، والأول هو الحسن ذاتا
كما ان الثاني هو القبيح ذاتا، بخلاف سائر الأمور والأفعال، فالقبيح منه لا
يتصف بالقبح عقلا إلاّ بعد انطباق عنوان الظلم عليه، والحسن منه لا يتصف
بالحسن إلاّ بعد انطباق عنوان العدل عليه، والعدل لغة بمعنى الاستقامة،
واستقامة كل شيء يكون بحسبه، ومنه العادل أي من له ملكة الاستقامة وعدم
الخروج عن جادة الشرع.
إذا عرفت ذلك نقول: لا فرق في نظر العقل في قبح الإتيان بما هو مقطوع
الحرمة بين أن يكون مصادفا للواقع أو مخالفا له، إذ لا تفاوت بين الصورتين
في صدق عنوان الظلم وهتك المولى والجرأة عليه على ذلك الفعل، فان الظلم
والقبح لا