النهي قد ارتفع، و معه لا عصيان، فلم يعص في ارتكاب ذلك المحرّم من وجه، و هو خلاف الضرورة من دين سيّد المرسلين (صلى اللّه عليه و آله) الطاهرين-.
و الحاصل: أنّ مخالفة النهي في غير ذوات الأسباب تقارن وجود النهي و فيها لا يعقل تقارنها له- كما عرفت- بل إنّما تقع بعد ارتفاعه، فإذا ثبت أنّ ارتكاب الفعل في الزمن الثاني عصيان لذلك النهي السابق فلا يعقل تعلّق الأمر به في الزمن الثاني، لما مرّ من امتناع تعلّق الإرادة و الكراهة بشيء واحد.
هذا كلّه مع فرض كون التكليف السابق هو النهي.
و أمّا إذا كان هو الأمر فقد علم ممّا حقّقنا امتناع اجتماعه مع النهي اللاحق أيضا.
ثمّ هذا الّذي ذكرنا إنّما هو على أوّل الشقّين من الشق الأوّل من شقّي الوجه الثاني.
و أمّا على ثانيهما: فالوجه جواز الاجتماع، و ذلك لأنّ المفروض فيه عدم ارتكاب المكلّف لما يوجب اضطراره إلى مخالفة التكليف السابق، فيكون ارتفاعه حال قدرته على امتثاله، و الارتفاع- حينئذ- لا يعقل [1] إلاّ على نحو البداء الحقيقي الّذي لا يجوز في حقّه تعالى، أو المجازي الّذي هو النسخ، و من المعلوم أنّه بكلا قسميه إبطال للتكليف السابق، و معه لا يؤثّر في كون الإتيان بالفعل أو تركه بعد ارتفاعه معصية له، فلا مانع من توجّه الطلب المناقض للطلب السابق المرتفع على هذا الوجه، و امتناع الاجتماع على الشقّ الأوّل من ذينك الشقّين أيضا مبنيّ على عدم ارتفاع التكليف السابق على هذا الوجه، و أمّا معه فلا مانع من الاجتماع فيه أيضا.
[1] و ذلك لأنّ ارتفاع كلّ تكليف إمّا بامتثاله أو بمخالفته، و المفروض عدمهما، و إمّا برفعه على نحو البداء على أحد الوجهين فيه، و لمّا كان ارتفاعه على نحو البداء الحقيقي ممتنعا في حقّه تعالى، فيتعيّن أن يكون بالنسخ، فيبطل ذلك الطلب به، فلا يقتضي ما ذكر. لمحرّره عفا اللّه عنه.