أما إذا كان حجة
في نفسه ، فقد يتوهم عدم شمول القاعدة ـ أعني قاعدة التسامح ـ حينئذ للخبر الدال
على الاستحباب ، باعتبار ان دليل الحجية يتكفل تتميم الكشف الراجع إلى إلغاء
احتمال الخلاف ، فيقطع تعبدا بعدم استحبابه.
وعليه ، فلا يصدق
البلوغ الّذي هو موضوع الحكم بالاستحباب ، فيكون دليل الحجية حاكما على أخبار من
بلغ.
ولكنه توهم فاسد ،
لعدم التنافي بينهما لعدم ورود النفي والإثبات فيهما على موضوع واحد ، فان مفاد
أخبار من بلغ هو استحباب العمل بعنوان ثانوي ، وهو عنوان بلوغ الثواب ، ومفاد
الخبر المعتبر عدم استحباب العمل بعنوانه الأولي ، فلا تنافي بينهما كما هو واضح.
هذا خلاصة ما
أفاده قدسسره مما يهمنا ذكره ، بتوضيح منّا [١].
أقول : مقتضى
التحقيق أن يجعل محل البحث في مورد قيام القرينة المنفصلة ، هو ما إذا كان كل من
دليلي العموم والخصوص حجة في نفسه ، فيبحث في أنه هل يتمسك بأخبار من بلغ في إثبات
استحباب ما قام الدليل المعتبر الخاصّ على عدم استحبابه ، أو لا يتمسك بها لعدم
شمولها لمثل هذا المقام؟.
وذلك لأن المورد
الّذي يرد فيه حديث انقلاب الظهور العمومي وانثلامه بورود المخصص المنفصل فلا يصدق
البلوغ وعدمه فيصدق البلوغ ، هو ذلك المورد ، دون ما إذا كان كلا الدليلين غير
معتبرين أو كان أحدهما كذلك. وذلك لأن مناط حمل المطلق على المقيد ـ ظهورا أو حجية
ـ فيما إذا استند الكلامان إلى متكلم واحد. وأما مع عدم صدورهما من متكلم واحد ،
فلا تنافي بينهما كي يكون أحدهما قرينة على الآخر ، فهل هناك تناف بين أمر زيد
عمرا بشيء عام ، ونهي عمرو خالدا عن بعض افراد ذلك الشيء؟. وهل يتخيل أحد التصرف
في
[١] البروجردي الشيخ
محمد تقي. نهاية الأفكار ٣ ـ ٢٨٣ ـ طبعة مؤسسة النشر الإسلامي.