وأما الوجه الثاني
: فالمناقشة فيه واضحة ، بيان ذلك : ان اعتبار شيء شيئا آخر يقتضي تحقق الانتقال
إلى المعنى المعتبر في ذلك الشيء عند الانتقال إلى ما اعتبر ، سواء كان المعنى
الاعتباري مما له وجود حقيقي كاعتبار شخص جاهل عالما ، أو لم يكن له وجود الا في
عالم الاعتبار كاعتبار شخص رئيسا. فان الانتقال إلى الشخص الجاهل المعتبر عالما
ملازم للانتقال إلى العالم ، وهكذا الانتقال إلى من اعتبر رئيسا ملازم للانتقال
إلى الرئيس ، فالتلازم بين الانتقال إلى المعتبر والانتقال إلى ما اعتبر من الآثار
التكوينية للاعتبار. ثم ان اعتبار شيء شيئا آخر يكون غالبا بلحاظ ترتيب آثار
المعتبر على ما اعتبر ، كترتيب آثار العالم على الجاهل وآثار الرئيس على زيد مثلا.
وقد لا يكون بهذا اللحاظ ، بل بلحاظ ترتب الأثر التكويني على نفس الاعتبار ، أعني
الملازمة في الانتقال ، وهكذا الحال في اعتبار اللفظ نفس المعنى ـ على هذا القول ـ
، فان اعتبار كون اللفظ هو المعنى ليس بلحاظ ترتيب آثار المعنى على اللفظ ، بل
بلحاظ ترتب الأثر التكويني للاعتبار ، أعني التلازم بين الانتقال إلى اللفظ
والانتقال إلى المعنى ، وظاهر ان هذا لا يتحقق إلاّ باعتبار الوحدة وان أحدهما عين
الآخر ، فاعتبار الوحدة ليس بلا أثر كي يكون لغوا ، بل له تمام الدخل في ترتب
الغرض ، وهو حصول التفهيم والتفهم بحصول الانتقال إلى المعنى عند الانتقال إلى
اللفظ. كما انه لا يتنافى مع اقتضاء الدلالة للتعدد ، إذ الدال هاهنا غير المدلول
ذاتا ، فان الدال هو اللفظ والمدلول هو المعنى واعتبار الوحدة لا يضير في التعدد
الذاتي المعتبر في مقام الدلالة.
فالتحقيق ان يقال
: ان التنزيل قد يطلق ويراد به ما هو أعم من الاعتبار ، وقد يطلق ويراد به معنى
يقابل الاعتبار.
فالأوّل : بأن
يؤخذ شيء ، فيعتبر كونه شيئا آخر ، فان الاعتبار ـ كما تحقق