الملي، فعلم أن المراد بأصالة الفطرة ما ذكرناه، لا كونه في حكم المسلم مطلقا. و لو قيل: كما أنك لا تحكم بارتداده عن فطرة لعدم علمك بشرطه فلا تحكم بالملية أيضا، لأن من شرطه العلوق مع كفر أبويه و هو غير معلوم، و لا ترجيح لأحدهما على الأخر. قلت: لا أقول بأن الملية علم شرطه، بل نقول: إن الشك في ذلك يوجب نفي الأحكام المشكوكة بالأصل، و أحكام المرتد عن فطرة من قتل و قسمة مال و زوال نكاح و غيرها على خلاف الأصل، فتنفى حتى تثبت. و بالجملة: البناء على أصالة الإسلام للخبر المذكور لا يستلزم المحذور، و مع ذلك فضعفه الخالي عن الجابر [1] مع ما يظهر من الأصحاب خلافه يمنع من العمل به. و أما نفي الأصل عن البين فلأن الكفر عبارة عن الإنكار و اعتقاد الخلاف، فكل منهما أمران وجوديان منفيان [2] بالأصل، و ليس شيء منهما موافقا له، فيكون هناك واسطة، كمن يبلغ نائما أو ذاهلا، أو لم يسمع صيت الحق و الباطل أو كان مترددا في الترجيح و نحو ذلك فإن ذلك كله ليس بكافر و لا مسلم، و هذا القول هو المنسوب إلى المعتزلة. و لازم هذا القول: الرجوع في أحكام هؤلاء الوسائط إلى الأصل، فإن كان حكم الإسلام هو الأصل كما في الطهارة مثلا فيحكمون به فيهم، و إن كان حكم الكفر موافقا للأصل كعدم حل ذبيحتهم يحكمون بحكم الكفر كما هو القاعدة في الموضوع المشتبه، و هذا القول مما لا يحوم أحد من أصحابنا حوله. فالحق حينئذ المصير إلى أصالة الكفر، و مراعاة علائم الإسلام الأربعة المشار إليها [3] فتدبر. و هنا كلام من جهات لا مجال في ذكره.
[1] لا يخفى أنّ الأخبار الواردة في المقام تبلغ حدّ الاستفاضة، و لا تنحصر بالنبويّ المذكور، و قد أشرنا إلى المصادر في ذيل الصفحة 734، الهامش (1).
[2] كذا في أصول النسخ، و قد غيّرها مصحّح «م» هكذا: فكلّ من الإسلام و الكفر أمر وجوديّ منفيّ.