الراهن، و الهبة، فإنه لازم من طرف المتهب و جائز من طرف الواهب في غير المعوض و ذي الرحم و الزوجين على الأصح، فهل اللازم من طرف دون آخر لازم أو جائز أو مركب؟ وجوه: قيل: بأنه مركب كما هو المشهور في الألسنة من أهل العلم [1] و الوجه فيه: أنه وجد فيه الجواز و اللزوم معا، فإنه باعتبار أحد طرفيه ممتنع [2] الفسخ، و باعتبار طرفه الأخر جائز، و هو معنى الواسطة. و قيل: بأن هذا جائز إذ التناقض بين الجائز و اللازم واضح، و معنى اللزوم يرجع إلى سالبة كلية، و هو عدم إمكان الفسخ مطلقا، و معنى الجواز هو الإيجاب بمعنى إمكان الفسخ، و لا ريب أن الفسخ من أحد الطرفين فسخ من الأخر، لعدم معقولية التفكيك، فيصير هذا العقد قابلا للفسخ شرعا، و أما أن الفاسخ هو المتعاقدان أو أحدهما أو أجنبي، فلا ربط له في كون العقد في ذاته لازما أو جائزا. و يؤيد هذا الوجه أنهم يجرون في صيغة الرهن و الهبة أحكام الجائز من صحته بأي لفظ وقع حتى بالجملة الاسمية في الرهن، و لا يستعملون فيهما ما يداقونه في العقود اللازمة. و يؤيد عدم كونهما من الجائز عدم بطلانهما بموت أو جنون أو نحو ذلك مما يبطل العقد الجائز. و أما احتمال إلحاقهما باللازم فهو من المستبعد جدا، و يحتاج إلى جعل الجائز بمعنى إمكان فسخه من كل أحد أو [3] من المتعاقدين، و اللازم ما ليس كذلك، و هو خلاف ظاهر. و التحقيق: أنه لو لوحظ الجواز و اللزوم بالنظر إلى نفس العقد كما هو الظاهر من التوصيف فيلحقان بالجائز، لأنهما في نفسهما جائزان قابلان للانفساخ، و لا دخل لتعدد الفاسخ و وحدته في ذلك.